والله العظيم مسخرة ما بعدها مسخرة أن يعيش المرء فى زمن هذا الحكم العجيب الذى صدر بشأن الممثل عادل إمام، بتهمة أن بعض الأفلام التى قام بالتمثيل فيها تزدرى الدين الاسلامى وتسىء إليه وتسخر من مرتدى النقاب والجلباب. مسخرة لأن عادل إمام ليس سوى الطرف الأكثر شهرة فى صناعة هذه الأفلام، والدعوى المقامة ضده فاسدة أصلا، لأن هناك مؤلفين ومخرجين ومنتجين لهذه الأفلام، وقبلهم هناك رقابة على المصنفات الفنية تابعة للدولة المصرية تقرأ ما يكتب من سيناريوهات وتشاهد ما ينتج من أفلام وتمنح التراخيص بعرض ما يصلح منها وتمنع ما لا يتلاءم مع القوانين والأعراف، وبالتالى يجب محاسبة المسئولين عن هذه الرقابة، لو كانوا قد خالفوا القوانين، ثم حبس المؤلفين والمنتجين والمخرجين، قبل أن نفكر للحظة فى التصدى لمحاكمة صناع هذه الأفلام. مسخرة لأن الحكم جاء فى ظل مجتمع خيالى يعشش فيه الاستبداد ومصادرة الحريات والتطرف الذى يخلط بين الدين، وبين كل من أطلق لحية أو أطال جلبابا فوق جسده ورأسه الفاسدين الممتلئين بأحط الأفكار والذنوب! وكما جرت عادة النظام القديم الباقى، فإن الفن والثقافة هما «الحائط المائل» الذى تمارس فوقه هذه الألعاب السياسية الرخيصة بين النظام وخصومه من الطامعين فى اعتلاء العرش. سوف تكتب صحف العالم كله، وكتب التاريخ، عن هذا الموقف المضحك الذى تعرض فيه ممثل لدور فى فيلم إلى الحبس بسبب فيلم تم الترخيص بعرضه منذ سنوات مضت، وهو حكم من شأنه أن يفتح المجال لمحاكمة كل ممثل لعب دور لص أو تاجر مخدرات، وكل ممثلة لعبت دور عاهرة أو راقصة وكل قناة تليفزيونية عرضت واحدا من هذه الأفلام! لا يوجد على مدار التاريخ العالمى والاسلامى ما يشبه هذه القضية والتى تعد من قضايا الحسبة، ومهما فتشنا فى أكثر عصور الدولة الدينية ظلاما وظلما، فلن تجد شيئا مثل هذا، حتى فى السعودية وإيران وأفغانستان والسودان، ولا فى عهد الدولة العثمانية أو فى أى عصر من العصور التى يطنطن أنصار الدولة الدينية بأخلاقياتها والتزامها، وصولا إلى المدينة الفاضلة التى أسسها النبى – صلى الله عليه وسلم- فى مكة والتى كانت تنعم بقدر كبير من الحرية والقدرة على التمييز بين الدين وأتباعه لا يعرفها ولا يفهمها مرضى التطرف الذين نشاهدهم هذه الأيام. هذه القضية إذا ما مرت ستكون سابقة لحبس كل الفنانين والكتاب والصحفيين ورسامى الكاريكاتير ومطاردة رسامى الجرافيتى فى الشوارع وكل من فكر فى يوم من الأيام فى انتقاد امرأة محجبة أو رجل بلحية وجلباب، ولك أن تتصور اليوم الذى سيفرض فيه على كل النساء ارتداء النقاب وعلى كل الرجال باطلاق اللحية وارتداء الجلباب، فساعتها لن يستطيع أى مواطن أن ينتقد مواطنا آخر لأنه من مرتدى الحجاب والجلباب! إن الخيال يعجز عن تصور هذا العالم العجيب الذى سيجرى فيه مطاردة كل من ينتقد جلبابا أو لحية، حتى لو كان جلبابا خياليا فى فيلم أو كاريكاتير، أكثر حتى من عجز خيال المتطرفين عن فهم بديهية أن الدين لا علاقة له بالملابس أو المظهر الخارجى. هؤلاء الذين لا يخطر ببالهم أنه حتى وقت قريب جدا من تاريخ الانسان، كان معظم الناس يطلقون اللحية ويرتدون الجلباب، بما فى ذلك كفار قريش والصليبيون الفرنجة والوثنيون فى سائر بقاع الأرض. فهل حدث فى أى عصر من تلك العصور أن صدر حكم ضد شخص ما لأنه يتحدث عن شخصية خيالية ترتدى الجلباب؟! عادل إمام هو كبش فداء لمعركة لا ناقة له فيها ولا جمل، لمجرد أنه مشهور وفنان، على طريقة «اضرب المربوط يخاف السايب»، فهل سنظل أسرى الخوف من أوهام؟