الحكومة أخفت تقديرات الصندوق لحجم الضرائب العادلة التى يجب أن يتحملها القطاع الخاص يخوض النظام الجديد فى مصر معارك متصلة، انتهى من معركة كبار الموظفين ليدخل معركة أخرى مع بند الإهدار الأكبر فى الموازنة، دعم الطاقة، وطالت نيران ترشيد دعم الطاقة الفقراء والأغنياء على السواء، ليتبقى لدى النظام المعركة الأكبر، وهى معركة موارد الدولة.. تحتاج الدولة أن تنظر الآن إلى بنود مواردها، وأهمها هو بند الضرائب.
ولا نقصد هنا رفع شرائح الضرائب أو فرض مزيد من الضرائب على رجال الأعمال، نحتاج إلى ثورة تصحيح فى مفهوم الضريبة، ومفهوم المحاسبة، نحتاج أن نعيد النظر فى القواعد التى تحكم مكاتب المحاسبة، نحتاج أن نحاسب مكاتب المحاسبة التى تسمح لمئات المليارات بالتسرب من حساب الضرائب.
نحتاج أن تفتح الحكومة دفاترها وتعيد الحساب والطرح والجمع لتعرف حقيقة من يدفع الضرائب مقابل من يحصل على الدعم ويتهرب من واجباته.. ودفاتر الحكومة موجودة، لدى الحكومة قوائم بأكبر 3000 شركة فى مصر منها القطاع الخاص والعام، وبالمناسبة هذه الشركات تضمهم قائمة واحدة فى مأمورية كبار الممولين، ولم تجرؤ الحكومة على جمع الشركات فى قائمة واحدة وكتابة حجم أعمال الشركة ورأسمالها ومعدل الضريبة التى تدفعها، لم تفعل الحكومة ذلك سوى مرة واحدة نهاية عام 2008، وقتها كانت النتيجة صادمة.
اكتشفت الحكومة أن شركاتها وبنوكها وهيئاتها وموظفيها يتحملون الجانب الأكبر من حصيلة الضرائب، مقابل أقل من 5 مليارات جنيه تتحملها شركات القطاع الخاص أو رجال الأعمال، وقتها كان القطاع الخاص يساهم بأكثر من 75 % من الناتج القومى الإجمالى، ورغم ذلك لا يدفعون الضرائب.
هذا الوضع المربك دفع صندوق النقد الدولى، خلال المفاوضات الأخيرة لمنح مصر قرضاً ب 4.8 مليار دولار، طالب الصندوق الحكومة المصرية بتحصيل 650 مليار جنيه من رجال الأعمال سنويا، لم تتحمل الحكومة الصدمة ولم تستوعب مطالب الصندوق ولم تعلن عنها، وكل ما أعلنته الحكومة كان متعلقا ببنود الإنفاق وأهمها ترشيد الدعم وخاصة دعم الطاقة.
ومؤخرا اعترف وزير المالية هانى قدرى بحقيقة أن رجال الأعمال فى مصر يدفعون ضرائب أقل بكثير مما يجب دفعه، ولم يعلن الوزير أرقام ومبررات طلبه من رجال الأعمال، رغم أن الوزير يملك قاعدة معلومات توضح بدقة حجم الأعمال والأرباح الحقيقية التى يحصل عليها القطاع الخاص.
لن أتحدث عنها عن الحقوق التاريخية للضرائب لدى رجال الأعمال، لن أطالبهم بدفع فاتورة عشر سنوات مضت، لن أطالبهم ب6450 مليار جنيه، أقول فقط عليهم الآن أن يدفعوا قيمة ضرائبهم الحقيقية، عليهم الآن تخليص الموازنة من العجز، وهو ما يكف يد الحكومة عن مطاردة أصحاب الدعم من معدومى الدخل.
لقد مرت علينا سنوات عجيبة، كان رجال الأعمال يحولون أرباحهم إلى استثمارات جديدة حتى تخرج ميزانية شركاتهم بدون أرباح، وكرروا نفس التجربة سنوات وسنوات، وعندما تتضخم ثرواتهم إلى حد الانفجار كانوا يبيعون شركاتهم فى صفقات البورصة المعفاة من الضرائب.
فى بعض دول العالم تكون الضرائب على مبيعات الشركات، وإذا كانت هناك خسائر تكون الضرائب من ضمن الخسائر، فبند الضرائب لا يجوز أن يكون من باب الاحتمالات، إنها حقوق ملايين البشر، هم الأيدى العاملة وهم السوق الذى يستهلك السلعة وهم الذين يتحملون المخاطر البيئية وغيرها.
فى مصر يدفع المستهلك ضريبة 15 % على كل سلعة يشتريها، وهى ضريبة المبيعات، بينما لا يتحمل المنتج أو رجل الأعمال أى ضريبة إجبارية مماثلة.
إن رفع الشرائح الضريبية لن يفيد، فمهما كان سعر الضريبة يبقى تحصيلها مستحيلا فى ظل نظام عرفى يعتمد على طرق شيطانية لأكل أموال الدولة وحقوقها بالباطل، ليس مقبولا مثلا أن تكون مبيعات شركة أسمنت أو حديد أكثر من 10 مليارات جنيه سنويا بينما لا تدفع للضرائب أكثر من 50 مليوناً، على الحكومة أن تستخدم أدواتها لتعقب الثروات المتهربة من الضرائب، لديها أجهزة رقابية وأجهزة محاسبات لا تستخدمها.