قال المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية، أننا نلتقي اليوم معاً لنجدد تقليداً حميداً توقف منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، فنحتفل اليوم معا يعيد الفن، ذكرى القيم الإنسانية النبيلة ومعاني السمو بالروح، والإرتقاء بالوجدان ذكرى تثمين الجمال وتجديد الإعتراف بفضل الفنانين والمبدعين من أبناء الشعب المصري العظيم. وأضاف منصور، نُحْيِي اليوم هذا التقليد لنساهم في إعادة الطبيعة السمحة لوطننا واسترداد صورته البهية التي طالما ألفناها في عقود مضت، مثلت فيها مصر مركز إشعاع فني في العالم العربي بل والمنطقة بأسرها، حيث أسهم نتاج فنانيها ومبدعيها في نشر ثقافتها ولهجتها في ربوع وطننا العربي وكان أدبها منهلاً ثقافياً يرتقي بالذوق العام ومثل مسرحها وفنها السابع ريادة فن التمثيل ومصدر إلهام ونبوغ لمحيطها الإقليمي.
وأوضح رئيس الجمهورية، أنه قد وقع اختيار اتحاد نقابات المهن الفنية على يوم الثالث عشر من مارس من كل عام ليكون يوما للإحتفال بعيد الفن وهو اليوم الذي يتوافق مع ذكرى ميلاد موسيقار الأجيال العبقري محمد عبد الوهاب، رحمه الله الذي طالما أطربت موسيقاه أذاننا وأضحى صوته العذب وألحانه الرائعة جزءاً عزيزاً من تراث مصر في الطرب والموسيقى، بل وتراثنا العربي أيضاً.
وأشار منصور، إلي أنه في هذا المقام لا يسعني إلا أن أقتبس مقولته "التراث هو الأصل والمعاصرة هي الواقع ومن أجل أن نقدم فناً كاملاً لا يمكننا أن نتخلص من أصلنا، ولا يمكن أيضاً أن نتجاهل معاصرتنا للواقع" قائلاً: تحيةَ تقديرٍ وإعزاز لروح هذا المبدع العظيم الذي ستظل مصر و"الوطن الأكبر" يذكرانه دائماً.
وقال رئيس الجمهورية، يشهد احتفالنا اليوم تكريم رحيل من فناني مصر ومبدعيها في مجالات الأدب وكتابة السيناريو والإخراج السينمائي والتمثيل والغناء ليعيد للأذهان تذكيراً بأن مصر لا تنسى أبناءها ممن أثروا حياة شعبها وارتقوا بإحساسه وساهموا في نضوج وعيه وتنوير عقله لقد مثلت الحقبة الفنية لهذا الجيل من المكرمين تأريخا صادقاً ونقلاً أميناً لمرحلة من تاريخ مصر المعاصر كم كانت بلادنا جميلة منظمة فعلى بساطة ذلك العصر النسبية نقلت لنا الأعمال الفنية صورة حية عن ذلك الزمن الجميل.
وتابع منصور، لم يخل بيت مصري في ذلك الحين من لمسات الجمال وكان الشارع المصري مثالاً للتحضر والإنضباط وقام المجتمع على قيم نبيلة يسودها التسامح والشهامة والمروءة وقبول الآخر وإن تكريم هذا الجيل من الفنانين والمبدعين حق واجب وتقدير مستحق لهم ولعطائهم وإنني لعلى ثقة في أن هذا التكريم سيستمر في المستقبل وستلقاه أجيال معاصرة ومُقْبِلة من فناني ومبدعي مصر الذين ساهموا بأمانة وتفانٍ في صياغة العقل الجمعي لشعبنا المصري العظيم مشيراً إلي إن المصريين الذين اِعتادوا الغناء فرحاً وحزناً والشعر هجاءً ومدحاً سيظل الفن مكوناً أساسياً في هويتهم وحياتهم مكونا ثريا ومتنوعا في شتى ألوانه.
وأوضح رئيس الجمهورية، أن تميز العطاء الفني المصري عطاء متوارث يسلمه جيل إلى جيل من الفنانين والمبدعين فَمَعِين الإبداع الفني المصري في شتى مجالاته ومختلف ضروبه لا ينضب أبداً وإذا كانت مقتضيات الحداثة واختلاف السياق التاريخي والظروف السياسية والإقتصادية والاِجتماعية فضلاً عن التطور التكنولوجي في مجال الإنتاج الفني تُحتم مسايرة مقتضيات العصر والاِنخراط في ركب التطور والتقدم إلا أن هذا التطور لا يجب أن يُنسينا أن لمصرنا العربية الإسلامية منظومتها القيمية النبيلة التي يتعين الحفاظ عليها والإنتماء إليها فهي لا تضع قيوداً أو تفرض شروطاً على إبداعنا بقدر ما تراعي عادات وتقاليد مجتمعنا لتكسبه مذاقه المتفرد وسماته المُمَيِّزة مشيراً إلي إن الحرية ستظل مقرونة بالمسئولية وبالرقابة الذاتية قبل الرقابة المفروضة من أجهزة الدولة وإلا تحولت إلى فوضى هدامة وحادت عن دورها الأساسي في الإرتقاء بحياة الأمم وصياغة تواريخ الشعوب.
وأشار منصور، إلي إن مصرَنا الجديدة تقدر وتعي دور الفنانين والمبدعين فحريةُ التعبيرِ عن الرأي والإبداع مكفولة في مختلف أنواع الفنون التي ليست بمعزل عن بعضها البعض فمن قال أن جمال اللون وإيماءة الإحساس في اللوحات الفنية ليست شعراً ومن في وسعه أن ينكر أن مشهداً تمثيلياً ينطق بالحيوية والإحساس لا يمثل لوحة فنية أو أن مقطوعة موسيقية رائعة لا تفتح آفاق الخيال لمَشَاهِدَ حسية ومشاعر صادقة وإذا كان للفن كل هذا القدر من التأثير فإنه أحد أهم القطاعات التي يتعين تنميتها والاِرتقاء بها وتنويع إنتاجها فالفن يدخلُ كل بيت مصري مشاهدةً واستماعاً وقراءةً ومن ثم فإنه رافد محوري في تشكيل وعي وثقافة ووجدان المصريين ومحفز أساسي لهم للإقبال على العمل والإنتاج والإستمتاع بنتاج جهودهم اقتصاداً مزدهراً وسياسة واعية وذوقاً عاماً راقياً يليق بأمة يعود تراثها الفني لأكثر من سبعة آلاف عام حيث كان المصري القديم أول من أدرك قيمة الجمال وجسده عمارة ونحتا موسيقى ورسماً وقد تجلى حرصه على صيانة قيم الجمال والإبداع في شتى مناحي الحياة حتى في حياته الآخرة.
واختتم منصور كلمته في إحتفالية عيد الفن، قائلاً: إن الفن يعد إحدى المواهب التي تفرد بها الإنسان، وتميز بها عن سائر المخلوقات شأنه في ذلك شأن التفكير و حرية الإرادة والاختيار فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يفكر و يبدع ولكن الإنسان الذي خُلِقَ مختاراً وحراً لم يحسن دائماً توظيف النعم التي حباه الله سبحانه وتعالى بها ولفناني مصر أقول "لا تتركوا الساحة الفنية فريسة للعبث بالذوق المصري العام" بل تصدوا لذلك بإنتاج فني حقيقي يرتقي بالذوق العام ويعيد إلى فننا بهاءه المعهود ورقيه المنشود واعلموا أنه سيظل هناك مقياس للإبداع الإنساني فنياً كان أو فكرياً أو فلسفياً إنه مقياس رباني مصداقاً لقوله تعالى " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ" (الرعد :17). وقدم منصور، التحية لكل الفنانين قائلاً: تحية صادقة مخلصة من القلب لكل فنان ومبدع مصري أراد بفنه لهذا الوطن رفعة ولشعبه تقدماً وللذوق المصري العام رُقياً وتحضراً كل عام وفناني ومبدعي مصر بكل خير ويقيني أنهم سيظلون دائماً حريصين على وطنهم وأبنائه يقدمون لهم ما يليق بأمة ساهمت في بناء الحضارة الإنسانية وخَطَّت اسم مصر بحروف من نور في سجل تاريخ الأمم.