الرئيس المخلوع جهز قائمة تكون كبش فداء له إرضاء للشارع.. القائمة تضم أحمد المغربى وأحمد عز وزهير جرانة ورشيد. فى نفس اليوم الذى اختير فيه المهندس رشيد محمد رشيد وزيرا أول مرة التقيت به فى فندق سميراميس.. حيث كان يقيم كلما جاء إلى القاهرة.. فلم يشأ أن يكون له بيت دائم فى مدينة أخرى غير الإسكندرية.. مسقط رأسه.. ومقر عائلته. لم يتردد الرجل فى أن يكشف عن اسم المحامى والسياسى والجامعى المعروف الذى سلمه مفتاح ثروته وتركه يديرها بعيدا عنه.. وكان هو فى الحقيقة الوحيد من بين وزراء البيزنس الذى فعل ذلك.. فقد اكتفى غيره بفتوى متأخرة من وزير العدل الأسبق المستشار ممدوح مرعى بأنه لا جناح على الوزير الذى يملك أسهما فى شركات لا يساهم فى إدارتها.. لكن.. ذلك لم يكن ليكفى إثبات عدم تعارض المصالح. ويسهل تقييم عمل رشيد محمد رشيد، وزيرا للتجارة والصناعة فى الفترة ما بين يوليو 2004 ويناير 2010.. هل أنجز؟.. هل أجرم؟.. الأرقام لن تكذب.. لكن.. الخطأ الفادح الذى وقع فيه هو أنه لم ينسحب من الحكومة يوم فشل أمام أحمد عز فى تمرير قانون سليم لمواجهة الاحتكار.. وقد كان موقفه الضعيف سببا فى خلاف شديد بينى وبينه.. ربما وصل إلى حد تجاهلى له. وكان رأيى الذى لم يسمعه أن أحمد عز برعونته وغطرسته وعقده النفسية والسياسية سيجهز على ما تبقى من النظام.. ولو كان هناك معترض عليه فليجهر بذلك. تأجل اعتراض رشيد على ما يجرى طويلا.. كان يتصور أن إنجازه الصناعى والتجارى يكفى كى يبرر له عدم تورطه فى المستنقع السياسى والحزبى.. فلم يتقدم باستقالته إلا فى الثمانية عشر شهرا الأخيرة من حكم مبارك.. وما أعرفه أن الرئيس السابق قبل استقالته.. لكن.. فى اليوم التالى أجبره على سحب الاستقالة بعد أن اشتكى رئيس الوزراء أحمد نظيف بأن رشيد لا يرد على تليفوناته.. فسخر منه مبارك.. وقرر الاحتفاظ برشيد كى يكون رئيس الحكومة القادم.. لكن.. رشيد قدم استقالته للمرة الثانية بعد شهور قليلة.. ومرة أخرى رفضت. يوم 25 يناير 2010 كان رشيد فى إيطاليا متجها لديفوس لحضور مؤتمرها الشهير.. لكنه وجد فيما يجرى فى مصر ما جعله يعود إلى القاهرة.. ولم يتردد للمرة الثالثة فى تقديم استقالته.. وسبق باقى أعضاء الحكومة فى الانسحاب منها.. بل ورفض من جديد طلب مبارك بتولى رئاسة الحكومة قبل أن تصل إلى أحمد شفيق. يوم 28 يناير ذهب إلى المطار لتوصيل زوجته وبناته وأمه على أن يعود إلى الإسكندرية ولكن وجد من يخيفه لو واصل رحلته بالسيارة إلى الإسكندرية.. فقرر دون أن تكون معه حقائب ملابسه ليسافر فى نفس اليوم.. وفى طريقه للمطار تلقى مكالمة تليفونية من مبارك يكرر فيها دعوته لرئاسة الحكومة.. لكنه.. من جديد لم يقبل. قبل أن تقلع الطائرة اتصل به أنس الفقى قائلا: «إن هناك أربع شخصيات ستكون كبش فداء.. أحمد عز وزهير جرانة وأحمد المغربى وأنت.. الخطة دى وضعت لإرضاء الناس وأنت مظلوم ومعروف موقفك من الفساد لكنهم عايزين ديوك رومى سمينة».. وفى اليوم نفسه تلقى مكالمة أخيرة من مبارك يكرر فيها عرضه رئاسة الحكومة قائلا : أنا بآمرك تقبل البلد محتاجة لك».. فقال رشيد: «الظروف لن تساعدنى».. فإذا بمبارك يشتمه ويغلق السكة فى وجهه.. ساعتها قرر أن يسافر من تبقى من عائلته.. فقد توقع أن يبطشوا بهم. وما أن خرج رشيد من البلاد حتى وجد نفسه متهما فى أكثر من قضية.. والمثير للدهشة أن مبارك الذى أمر بملاحقته قضائيا هو نفسه الذى طلب منه مساعدة مصر وهو فى الخارج مطلوب القبض عليه فى تدبير احتياجات مالية عاجلة لها.. فسافر إلى الإمارات.. ونجح فى إقناع المسئولين فيها بمساعدة مصر بنحو 3 مليارات جنيه.. وبالفعل جاء مسئولون كبار منها إلى القاهرة لمقابلة مبارك.. لكنه.. كان قد تنحى. إن رشيد هو أحد القلائل الذين يمكنهم مساعدة مصر فى محنتها الحالية.. فعلاقاته مؤثرة مع قطر والسعودية والإمارات وعمان.. وربما أدرك الإخوان ذلك فجرى اتصالا بينه وبين حسن مالك.. أحد المسئولين الكبار فى الجماعة عن الملف الاقتصادى.. ولابد أن يكون الحوار الذى جرى بينهما يدور حول كيفية النجاة مما نحن فيه الآن؟ ومن المؤكد أن رشيد يمكنه أن يقدم لمصر الكثير.. لكن.. كيف يمكنه ذلك وهو مطارد من الإنتربول لتنفيذ الأحكام الصادرة ضده؟.. هذا هو السؤال الصعب. السنة الخامسة - العدد 344 - الاثنين - 03/05 /2012