فى اليوم السابق للاستفتاء كانت كل منابر المساجد تختار «نعم» والناس تنساق.. فخرجت النتيجة ثلثين للمنابر، وفى انتخابات مجلس الشعب كانت المنابر تختار «بتوع ربنا» فكانت النتيجة ثلثين للإسلاميين. نفس هذه المنابر تم استخدامها لمهاجمة الثوار ومهاجمة العصيان المدنى ثم مهاجمة جمعيات حقوق الإنسان فى قضية التمويل الأجنبى. المنابر جاهزة ومستعدة لتقديم خدماتها لسيدها وقائدها وولى نعمتها وولى أمرها، فهى لم تعصه يوما، ولم تتمرد عليه يوما ولم تجادله فى أمر أصدره لها يوما. انظر إلى كل القضايا والاختيارات التى تدعمها المنابر، كلها بلا استثناء قضايا واختيارات تصب فى صالح الحاكم، مهما كان هذا الحاكم، مبارك، أو المجلس العسكرى، ليس مهما اسمه أو شخصه المهم أن يجلس على هذا الكرسى الذى من خلاله يحكم مصر، فتؤيد أفكاره وتسعى لتطبيق أهدافه. من يدير حركة المنابر فى مساجد البلاد، أما الجمعيات السلفية أو وزارة الأوقاف، ومن وراء كل هؤلاء كان جهاز أمن الدولة يدير الكل ويلعب بالكل. الآن مازالت الجمعيات على حالها، ولم يتغير سوى مسمى من يدير فى الخفاء، فأصبح اسمه الأمن الوطنى. الناس تذهب إلى المساجد والمساجد يتحكم بها خطباء المنابر، والخطباء يتقيدون بتعليمات مشايخهم، والمشايخ يعتبرون الأمن الوطنى هو ولى أمرهم، الأمن الوطنى أصبح جزءًا من وزارة الداخلية، ووزارة الداخلية يديرها لواء من المجلس العسكرى، والمجلس العسكرى يدير البلاد، والبلاد فى حالة من الفوضى تحت السيطرة العسكرية. هل هناك مسلم يجرؤ على الوقوف ومناقشة الخطيب أثناء إلقاء كلمته، أو معارضته أو لفت انتباهه إلى أنه يهذى، أو يضلل الناس بكلمات لو فهمها ما كان سيقولها، بالطبع لا.. لأنه وقتها سيلقى فى نار جهنم، ويصبح من الخارجين عن الجماعة ويرمى بكل نقيصة. إذا فكرة اللجوء لصناديق الانتخاب وهناك من يحتكر ثلثى أصوات الناس هو استمرار لمسرحية كوميدية كنا نعيشها لمدة 60 سنة، بداية من الاتحاد الاشتراكى وحتى مجلس المنابر هذا. لهذا كان هناك إصرار على السير فى طريق الديمقراطية بسرعة، قبل تحديد منهج الديمقراطية، قبل معرفة قوانين الديمقراطية، قبل استيعاب فكرة الديمقراطية. نحن الشعب الوحيد فى العالم الذى كان سعيدا وهو يدخل الامتحان، رغم أنه لا يعلم ما هى المادة التى سوف يمتحن فيها، بل دخل الامتحان وأجاب عن أسئلة لم تكن موجودة فى الامتحان، ومع ذلك تم الإعلان عن نجاح الشعب المصرى العظيم فى اجتياز الامتحان وبجدارة وتفوق ومع مرتبة الشرف ايضا. طبعا المجلس العسكرى كان سعيدا بالنتيجة، وسائل الإعلام كانت سعيدة بالنتيجة، الشعب «العظيم» كان سعيدا بالنتيجة، والخلاصة أننا أصبحنا تماما كخريجى الجامعات الذين لا يعرفون كتابة أسمائهم، ولا يفقهون المبادئ الأساسية للقراءة والكتابة. هل يجرؤ أحد على أن يقول لا للعملية الديمقراطية؟ طبعا كل من لهم مصلحة فى هذه العملية لن يعترض منهم أحد، حتى الثلث الذى اعترض باتت كلمته مجروحة، لأنه شارك أساسا فى الحماقة، واعتقد أنه حين يمتنع عن الغش فى امتحان وهمى فهذا إنجاز وشرف، فكان أن شارك فى لعبة «استغماية» على شفا جرف هار. من كان يعتقد أن الوضع الحالى أفضل فهذا حقه، لكنى لا أعتقد ذلك، لأن العقدة باتت اشد واقسى، لأنها ببساطة كأن مجموعة من البشر ركبوا سفينة وقبل أن ينتهى الوقود منهم اكتشفوا أن ربان السفينة قادهم كل هذه المسافة فى الاتجاه الخاطئ، بماذا تنصحهم؟ هل يعودون، رغم أن طريق العودة لن يكتمل.. أم يكملون رغم أن الطريق فى الاتجاه الخاطئ وغير معلومة نهايته؟ هذه هى الحسبة فى اعتقادى الآن.. حلوها. السنة الخامسة - العدد 343 - الاثنين - 27/02/2012