فرحتك دائما قصيرة يا مصر.. في خضم الاحتفالات بتسلم الرئيس المنتخب السلطة فوجئنا بوقائع تحرش جديدة في ميدان التحرير، عدد من الشباب أقدموا على تجريد سيدة وابنتها من المحتفلات في الميدان من ملابسهما تماما، وأخذوا ينهشون كالذئاب في جسديهما، ما يعيدنا إلى حوادث تكررت بانتظام إبان عهد الرئيس المعزول محمد مرسي خلال الفعاليات التي كانت تقام في الميدان احتجاجا على قراراته أو اعتراضا على تدخل جماعته في شئون الحكم. والحقيقة أن هذه الحوادث زادت في الفترة الأخيرة تماشيا مع حالة الانفلات التي أصبح يعيشها المجتمع المصري، ما يؤكد حاجتنا الماسة إلى تطبيق قانون التحرش الذي أصدره أخيرا الرئيس السابق المستشار عدلي منصور. التحرش سلوك دنيء قد يكون لفظيا أو باللمس وقد يصل إلى حد الاغتصاب، وهو إمعان في مضايقة الغير بتكرار أقوال وأفعال وإشارات تمس بكرامة المرأة وتحقرها وتقلل من شأنها بما يضعها في موقف ضعف وخوف لحملها على الاستجابة إلى الرغبات الجنسية رغما عنها. في دراسة حديثة تبين أن 98% من الأجنبيات و83% من المصريات تعرضن إلى تحرش جنسي، واعترف 62% من الرجال بقيامهم بمضايقات للنساء، بينما ألقى 53% من الرجال باللوم على النساء، كما كشفت دراسة أخرى ميدانية عن أن السعودية تحتل المركز الثالث من بين 24 دولة في قضايا التحرش الجنسي داخل أماكن العمل، وأن 16% من النساء العاملات في السعودية تعرضن للتحرش الجنسي من قبل رؤسائهن. من ضمن 22 بلدا عربيا، مصر تحتل المركز الأخير فيما يتعلق باحترام حقوق الفتيات والسيدات، وفقا لإحصائية أجرتها "رويترز" ونشرتها "بي بي سي"، وأوضحت الإحصائية أن 40% من الرجال لا يتحركون لإنقاذ فتاة أو امرأة تتعرض أمامهم للتحرش. الجاني في مجتمعنا يعتمد على أن ضحيته ستخاف من الحديث عما تعرضت له، لأنها تعرف جيدا أنها في النهاية ستلام من الجميع، وأنها لو تحدثت من الممكن أن يؤثر هذا على سمعتها أمام صديقاتها أو جيرانها أو زملائها في العمل، أو حتى زوجها أو خطيبها، وكأنما جلبت لهم العار، ذلك أن المرأة في مجتمعنا هى المذنبة دائما، فلماذا خرجت من بيتها، ولماذا لم تتحجب ولم تستر نفسها، ولماذا تبخترت في مشيتها فأثارت الرجال، ولماذا ولماذا، حتى ينظر إليها الجميع في النهاية على أنها زانية وليست ضحية! حاجز الصمت هذا يجب أن ينكسر، فمن تتعرض لمثل هذه الجرائم يجب ألا تسكت، ليس حفاظا على ذاتها وحدها ولكن حفاظا على من ستتعرض لذات الجريمة بعدها. في اعتقادي أن هذه المشكلة ناجمة في الأساس من البيت، فلا تطلب من شاب يشاهد أباه ليل نهار يمارس عنفا ضد أمه وأخته، يأمرهن وينهاهن، ويضربهن ويهينهن، أن يحترم النساء والفتيات في الشارع وفي وسائل المواصلات وألا ينظر لهن على أنهن أقل منه آدمية. شيء آخر قد يكون سببا في الظاهرة هو ضعف الثقافة الجنسية، حيث لا تتناولها المدارس ولا المعاهد بموضوعية، فالتحرش من الممكن أن يكون نتيجة عدم وجود ثقافة جنسية صحيحة، وهذه الثقافة تبدأ من البيت أيضا. كل شيء حولنا أصبح يدعو للتحرش، فالأفلام والبرامج والمسلسلات العربية والتركية أصبحت لا تخلو من القبلات الحارة واللقطات الساخنة والإيحاءات الجنسية، والإشارات البذيئة، فما العجب إذن عندما نجد من يخرج لتطبيق ما رآه أو سمعه على أرض الواقع، وزد على ذلك انتشار الحبوب المخدرة وغيرها من السموم في كل أرجاء مصر حاليا. طالبت منذ فترة بسن قانون رادع وتغليظ العقوبة ضد مرتكب جريمة التحرش بأنثى، وقد صدر والحمد لله، ولكن للأسف المشكلة ليست قانونية فحسب، ولكن اجتماعية أيضا، يتشارك فيها البيت أولا ثم المدرسة ثم وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، تلك المؤسسات التي لو التفتت للهدف الأساسي من إنشائها وابتعدت قليلا عن السياسة، وأنفقت جزءا مما تتحصل عليه على حملات وبوسترات وفقرات دعائية ضد جريمة التحرش، وطالبت بتغليظ العقوبات وسن القوانين الرادعة، لما استفحلت هذه الظاهرة في مجتمعنا إلى هذا الحد. جريمة التحرش تم استخدامها أيضا كوسيلة إقصاء سياسي للمرأة، وهو ما تجلى أثناء حكم جماعة الإخوان عندما قررت النساء المشاركة في عدة مظاهرات بميدان التحرير، وبعدها توالت المسيرات النسائية المنددة بالحادث، ولكن أيضا كانت تتكرر الجريمة في كل مرة، وفي الفترة الأخيرة وفي خضم المظاهرات الإخوانية بجامعة القاهرة رأينا واقعة تحرش بإحدى الطالبات، ما يسيء إلى سمعة الجامعة، ويظهر النظام الحالي في حالة ارتباك واهتراء أمام العالم، وأيضا كوسيلة ضغط لتعطيل الدراسة مثلها مثل حرق المباني الجامعية واقتحام قاعات الدراسة. هناك من يقول إن هذه الجرائم تأتي لضعف الوازع الديني، لا شك أن الوازع الديني مهم، لكن هو ليس السبب الوحيد، الوازع الديني بين الإنسان والسماء، ولكن الرادع القانوني هو الذي يضبط علاقة الناس على الأرض، وهناك بلدان يكثر فيها الإلحاد وهى أقل بلاد العالم تعرضا لجريمة التحرش بالنساء والفتيات. لكل امرأة أو فتاة قررت أن تذهب إلى عملها أو مدرستها أو جامعتها أو تستقل وسيلة مواصلات عامة... حافظي على نفسك، ولا تخجلي من فضح من يتعمد مضايقتك. للتواصل مع الكاتب Twitter: badawy4