يشهد التاريخ المصري عبر عقود طويلة، أن النساء كنّ في كفاح متواصل من الانتصارات والإخفاقات ، إلا أن المشاركة الإيجابية وبصورة لم يعتدها المجتمع المصري لفترة طويلة من السنوات، كانت في خروج هؤلاء النساء لأول مرة في المظاهرات الحاشدة والمنظمة إبان ثورة 1919 ، وهذا يعني أن المرأة المصرية لم تكن في الماضي بعيدة عن المشهد ، كما يحاول الكثيرون القول بذلك، فقد واجهت طيلة السنوات الماضية ، كل الاتهامات التي ألصقت بها بإدعاء غيابها عن العمل السياسي والعمل العام . ولازالت المرأة تناضل بقوة ، ربما لأنها أفقر الفقراء والأكثر تأثراً بالظلم الاجتماعي ، والأكثر تطلعاً وبحثاً عن حياة أفضل لأسرتها وأبنائها ، وفي هذا الصدد نشير إلى أن سبب ذلك ، يرجع إلى أن نسبة مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي تبلغ 23,1% ، وهو ما يعني أن ما يقارب ربع قوة العمل تتمثل في النساء ، منها حوالي 16% من النساء اللاتي يقمن بإعالة أسرهن. وغني عن القول بأن نؤكد من جديد ، أن تطلعات المرأة المصرية كثيرة ومتعددة لعل أبرزها المساواة ومنع كافة أشكال التمييز ضدها ، والعمل على الاهتمام بالنوع الاجتماعي ونشر ثقافة المساواة والقضاء على الموروثات الثقافية السلبية ، التي تضع النساء في وضع لا يتناسب ودورهن الرئيسي في الأسرة والمجتمع وسن التشريعات التي تقف بحزم أمام ما تتعرض له المرأة من عنف جسدي ونفسي وأسري. إن المرحلة المقبلة تتطلب سعياً جاداً من المؤسسات المعنية بالدولة بمشاركة منظمات المجتمع المدني ، على التأكيد بأهمية تمكين المرأة سياسياً واجتماعياً ووضع الخطط الطويلة والقصيرة المدى ، لتفعيل دورها في المجتمع بدعم وإشراف الحكومة ، للنهوض بها لبناء مجتمع ديمقراطي يضمن تحقيق وضعاً أفضل للمرأة المصرية على مختلف المستويات ، وفي هذا لا ننسى أن على المرأة ذاتها باختلاف مستوياتها التعليمية والاجتماعية والاقتصادية ، القدر الأكبر من تحقيق حريتها بما يضمن لها العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ، التي تمكنها من أداء دورها في المجتمع سواء من داخل المنزل أو خارجه على أكمل وجه . إن قضية المرأة لن تكون أبداً قضية موسمية تطرح بين الحين والحين ، أو في فترات حراك سياسي ومجتمعي بعينها ، لكنها قضية دائمة باستمرار وجودها ودورها المحوري في المجتمع ، وعلينا جميعاً تحمل المسئولية تجاه ذلك قولاً وفعلاً ، ولابد من الإصغاء لأصوات النساء وعدم تجاهلهن ، من أجل حسابات سياسية أو دينية أو غير ذلك . وأعود فأؤكد أن بناء المجتمع ينطلق من بناء المرأة فهي شريك أساسي في المجتمع ، وإذ لم تؤمن بالحرية والمساواة فلن تستطيع أن تقدم رجالاً يؤمنون بالحرية والمساواة ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه وستبقى المشكلة ليست في وجود قوانين وتشريعات ودساتير تعزز النهوض بالمرأة ، بل في وجود إرادة سياسية تعززها صلابة المرأة في القدرة على تنفيذ هذه القوانين وتلك التشريعات .