فى كل يوم نكتشف جديداً فى العلم كما فى التاريخ وكلما مرت السنون والأيام يكشف الستار عن وثائق جديدة تهم الدارسين والباحثين ومثقفى هذه الأمة، وتكتسب تلك الوثائق أهميتها من نُدرتها ومصادرها والأحداث المتعلقة بها. وقد وصلنى عن طريق الصديق الكبير دكتور محمد حافظ الجراح المصرى العالمى المرموق وثيقة غاية فى الندرة من مصدر غاية فى الأهمية أفرج عنها مؤخراً وحصلت على نسخة منها لم تنشر من كنوز مكتبة جده الحقوقى العظيم حافظ رمضان النقيب الأسبق لنقابة المحامين. وأحد صناع الحركة السياسية فى مصر مع باقة من ألمع المثقفين المصريين الذين اجتمعوا على حب هذا الوطن رغم انتماءاتهم المذهبية المختلفة، فهم كانوا أحزاباً متباينة، وهم أقرب الى الأسماء الاستثنائية فى تلك الحقبة الثرية بحراكها السياسى/الثقافى. ويكفى أن نقرأ أسماء الموقعين على ما سموه "عريضة الشعب إلى جلالة الملك فاروق الأول" لنعرف أن الحراك كان متواصلا، كما يملى عليهم ضميرهم الوطنى، كما أن باب الحوار مع السلطة – الملك والقصر – لم يكن مغلقاً تماماً بل كان "مواربا" ، كما أننا نكشف من عريضة الشعب التى سبقت ثورة يوليو 1952 بقليل، أنها تطالب بالتطهير. تطهير القصر ومؤسساته كما تشير إلى تزوير فى الانتخابات البرلمانية وفساد الحاشية، ومن التزوير أيضاً فى نقل نبض الشارع إلى القصر – وهى نفس مقدمات ثورة يناير 2011 على نظام حسنى مبارك ومورطيه، وبالتالى فهى أقرب أن تكون "عريضة غضب الشعب" هى نفسها تعبرعن إراهاصات ثورة يوليو 1952. ولعل أهم ما تثبته العريضة الوثيقة هي أنها تنفض الاتهام عن المثقفين والصفوة من أي تخاذل أو تكاسل عن الدفاع عن حقوق الوطن وبكل ما تحمل الكلمات من قوة وشجاعة وبسالة في التعبير عن مظالم شعب واستشراف للمستقبل. وإلى نص العريضة وأسماء الموقعين عليها. عريضة الشعب إلى جلالة الملك العظيم يا صاحب الجلالة: إن البلاد لتذكر لكم أياماً سعيدة كنتم فهيا الراعى الصالح الرشيد، وكانت تحف بكم أمة تلاقت عند عرشكم آمالها، وألتفت حول شخصكم قلوبها فما وإتاها فرصة إلا دلت فيها على عميق الولاء والوفاء. وما العهد ببعيد بحادث القصاصين، وقد أنقذكم الله من مخاطره وهو أرحم الراحمين. واليوم تجتاز البلاد مرحلة قد تكون من أدق مراحل تاريخها الحديث، ومن أسف أنها كانت كلما اتجهت إلى العرش فى محنتها، حيل بينه وبينها، لا لسبب إلا لأن الأقدار قد أفسحت مكاناً في الحاشية الملكية لأشخاص لا يستحقون هذا الشرف، فأساءوا النصح وأساءوا التصرف، بل أن منهم من حامت حول تصرفاتهم ظلال كثيفة من الشكوك والشبهات. هي الآن مدار التحقيق الجنائي الخاص بأسلحة جيشنا الباسل حتى ساد الاعتقاد بين الناس أن يد العدالة ستقصر حتماً عن تناولهم بحكم مراكزهم. كما ساد الاعتقاد من قبل أن الحكم لم يعد الدستور وأن النظام النيابي قد أصبح حبراً على ورق . منذ أن عصفت العواصف بمجلس الشيوخ فصدرت مراسيم يونية سنة 1950 التي قضت على حرية الرأي فيه وزيفت تكوين مجلسنا الأعلى كما زيفت الانتخابات الأخيرة من قبل تكوين مجلس نوابنا. ومن المحزن أنه قد ترددت على الألسن الأقلام داخل البلاد وخارجها أنباء هذه المساوئ وغيرها من الشائعات الذائعات. التي لا تتفق مع كرامة البلاد حتى أصبحت سمعة الحكم المصري مضغة في الأفواه. وأمست صحافة العالم تصورنا في صورة شعب مهين. يسام الضم فيسكت عليه. بل ولا يتنبه إليه ويساق كما تساق الانعام والله أعلم أن الصدور منطوية على غضب تغلي مراجله وما يمسكها إلا بقية من أمل يعتصم به الصابرون. يا صاحب الجلالة:لقد كان حقا على حكومتكم أن تصارحكم بهذه الحقائق. ولكنها درجة في أكثر من مناسبة على التخلص من مسئوليتها الوزارية بدعوة التوجيهات الملكية وهو يخالف روح الدستور. وصدق الشعور ولو أنها فطنت لأدركت أن الملك الدستوري يملك ولا يحكم كما أنها توهمت أن في رضاء الحاشية ضماناً لبقائها في الحكم. وستراً لما افتضح من تصرفاتها. وما انغمست فيه من سيئاتها. وهي هي لا تزال أشد حرصا على البقاء في الحكم وعلى مغانمة منها على نزاهتة. ولهذا لم تريد من أن تنهض بهذا الواجب فتصارحكم بتلك الحقائق ابتغاء وجه الله والوطن لا ابتغاء حكم ولا سلطان. وبرا بالقسم الذي أديناه أن نكون مخلصين للوطن والملك والدستور وقوانين البلاد وما الإخلاص لهذه الشعائر السامية إلا إخلاص الأحرار يوجب علينا التقدم بالنصيحة كلما اقتضاها الحال. يا صاحب الجلالة: إن احتمال الشعب مهما يطل فو لابد منه إلى حد وأننا لنخشى أن تقوم في البلاد فتنة لا تصيبن الذين ظلموا خاصة بل تتعرض فيها البلاد إلى إفلاس مالي وسياسي وخلقي. فتنتشر فيها المذاهب الهدامة بعد أن مهدت لها آفة الاستغلال الحكم أسوأ تمهيد. لهذا كله نرجو مخلصين أن تصحح الأوضاع الدستورية تصحيحاً شاملاً وعاجلاً فترد الأمور إلى نصابها وتعالج المساوئ التي نعانيها على أساس وطيد من احترام الدستور وطهارة الحكم وسيادة القانون. بعد استبعاد من أساءو إلى البلاد وسمعتها. ومن غضوا ومن قدر مصر وهيبتها. وفشلوا فشلاً سحيقاً في استكمال حريتها ووحدتها ونهضتها. حتى بلغ بهم الفشل أن زلزلوا قواعد حكمها وأمنها. وأهدروا فوق إهدار اقتصادها القومي. واستفحل الغلاء إلى حد لم يسبق له مثيل وحرموا الفقير قوته اليومي. ولا ريب. أنه ما من سبيل إلى اطمئنان أية أمة لحاضرها ومستقبلها. إلا إذا اطمأنت لاستقامة حكمها . فيسير الحاكمون جميعاً في طريق الأمانة على اختلاف صورها . متقين الله في وطنهم. ومتقين الله في وطنهم. ومتقين الوطن في سرهم وعلنهم. والله جلت قدرته هو الكفيل بأن يكلأ الوطن برعايته. فيسير شعب الوادي قدماً إلى غايته. إبراهيم عبد الهادي، محمد حسين هيكل، مكرم عبيد، حافظ رمضان، عبد السلام الشاذلي، طه السباعي، مصطفى مرعي، عبد الرحمن الرافعي، إبراهيم دسوقي أباظة، أحمد عبد الغفار، على عبد الرازق، حامد محمود، نجيب اسكندر، زكي ميخائيل بشارة، السيد سليم. [email protected]