بعد أن تولي الملك فاروق عرش البلاد بنحو 14 سنة دب الفساد في البلاد.. وعمت الفوضي وانتشر الانحلال. .. في ذلك الوقت كتب زعماء المعارضة عريضة مؤرخة في 16 أكتوبر عام 1950 عبروا فيها عن سخطهم للحال الذي وصلت إليه البلاد ووجهوها مباشرة إلي الملك.. وقالوا فيها: يا صاحب الجلالة لقد أفسحت مكاناً في الحاشية الملكية لأشخاص لا يستحقون النصح وأساءوا التصرف.. بل إن منهم من حامت حول تصرفاتهم ظلال كثيفة من الشكوك والشبهات.. حتي ساد الاعتقاد بين الناس أن يد العدالة ستعصر حتماً عند تناولهم بحكم مراكزهم.. كما ساد الاعتقاد من قبل أن الحكم لم يعد للدستور وأن النظام النيابي قد أضحي حبراً علي ورق.. تماماً كما حدث في النظامين السابقين.. لقد أصبحت سمعة الحكم المصري مضغة في الأفواه وأمست صحافة العالم تصورنا في صورة شعب مهين يسأم الضيم فيسكت عليه والله يعلم أن الصدور منطوية علي غضب تغلي مراجله. وتمضي العريضة التي وقعها زعماء المعارضة في سرد حقائق فساد الحكم فذكروا أنه "كان علي حكومتكم أن تصارحكم بهذه الحقائق ولكنها درجت في أكثر من مناسبة علي التخلص من مسئولياتها الوزارية بدعوي التوجيهات الملكية" وهو ما يخالف روح الدستور وصدق الشعور كما أنها توهمت أي الحكومة أن في رضا الحاشية ضماناً لبقائها في الحكم وستراً لما افتضح من تصرفاتها وما أنغمست فيه من سيئاتها.. وهي لا تزال أشد حرصاً علي البقاء في الحكم وعلي مغانمه منها علي نزاهته. وقال زعماء المعارضة أن لهذا لم يروا بداً من أن ينهضوا بهذا الواجب لمصارحتكم بتلك الحقائق ابتغاء وجه الله والوطن.. لا ابتغاء حكم ولا سلطان..!! ونصحوا في ختام رسالتهم الملك قائلين: "أن احتمال الشعب مهما طال فهو لابد منته إلي حد واننا لنخشي أن تقوم في البلاد فتنة لا تصيبن الذين ظلموا وحدهم بل تتعرض فيها البلاد إلي افلاس مالي وسياسي وخلقي.. فتنتشر فيها المذاهب الهدامة بعد أن مهدت لها آفة استغلال الحكم أسوأ تمهيد.. وجاءت نهاية العريضة كلها امنيات بتصحيح الأوضاع الدستورية تصحيحاً شاملاً وعاجلاً.. وكان عدد من وقعوا علي هذه العريضة 16 زعيماً من زعماء المعارضة من بينهم ابراهيم عبدالهادي. والدكتور محمد حسين هيكل. ومكرم عبيد وعبدالرحمن الرافعي وعلي عبدالرازق ومصطفي مرعي وغيرهم. وطبعاً كان رد الفعل لدي الملك وعندما قرأ هذه العريضة عنيفاً ولم يأخذ بأي كلمة منها بل اعتبرهم قد عابوا في الذات الملكية وصدرت الأوامر بمنع نشرها واعتبار الموقعين عليها من أعداء الملك ولا توجه إليهم أي دعوات يكون بين الحضور فيها الملك فاروق. هذه العريضة عمرها.. أكثر من 60 عاماً والحقيقة أنه لو رفع منها اسم المرسل إليه وهو الملك وتم وضع اسم رئيس الجمهورية في أي من النظامين السابقين لأصبحت رسالة لهما بالفعل.. لأن المضمون واحد.. فقد كان المصريون يعيشون عيشة ضنك وفوضي الانتخابات مزورة.. الحكومات في وادي والشعب في وادي آخر المحسوبية منتشرة والفساد يتزايد.. ورئيس الدولة لا يعترف بمعاناة الشعب بل كان يستهين برأي الناس ولا يعبأ بما يحدث في كلا النظامين السابقين. حقيقة إن التاريخ يعيد نفسه وحكايات كل عصر تتكرر.