برلماني: الحوار الوطني يدعم مؤسسات الدولة في مواجهة التحديات    بتكلفة 27 مليون جنيه.. افتتاح محطة رفع صرف صحي نزلة العزازي بالشرقية    الجيش اللبناني يعلن مقتل أحد جنوده وجرح آخر إثر غارة إسرائيلية في جنوب البلاد    مستشار بحملة هاريس يجتمع بقيادات للمسلمين لاحتواء الغضب من دعم إسرائيل    فيفا يرفض رفع القيد عن الإسماعيلي    عاشور: فوز الجامعة الأمريكية يعكس نجاح الرياضة الجامعية في مصر    حلاوة رئيسًا للجنة الصناعة والتجارة بمجلس الشيوخ    عاجل| تراجع الطلب يدفع لانكماش نشاط شركات القطاع الخاص في مصر    «في مجال الهيدروجين».. تعاون بين مصر وحكومة بافاريا الألمانية    "الإسكان" يُصدر قراراً بحركة تكليفات وتنقلات بعددٍ من أجهزة المدن الجديدة    «مش بس أكل وشرب».. جهود مكثفة من التحالف الوطني لتقديم الرعاية الصحية للأكثر احتياجا    نائب وزير الإسكان يتابع موقف تقديم خدمات المياه والصرف الصحي بدمياط    محافظ القليوبية يقود مسيرة نيلية احتفالًا بذكرى انتصارات أكتوبر    محافظ كفر الشيخ يتابع سير العمل بالمركز التكنولوجي ومنظومة التصالح بالرياض    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    أزمة المحاضرة.. قرار مهم ضد أستاذ الحقوق بجامعة المنوفية    سفير مصر بالدوحة يلتقى مع وزير الدولة للشئون الخارجية    روسيا: 3 قتلى وعشرات الجرحى جراء هجوم أوكراني على بيلجورود    سر مثير عن القنابل الإسرائيلية في حرب أكتوبر    ضاحي خلفان يثير جدلًا بتعليقه على اغتيال حسن نصرالله.. هل شمت بمقتله؟    الأهلي يواجه برشلونة بحثًا عن برونزية مونديال اليد    جون دوران بعد هدفه أمام بايرن: سجلت في شباك أحد فرق أحلامي    تهرب جمركي ومخدرات أبرزها.. ضبط 52 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    للخريف سحر لا يقاوم.. 15 صورة من شواطئ عروس البحر المتوسط    إصابة عاطلين في معركة بالأسلحة النارية بالمنيا    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    الأمن يكشف لغز العثور على جثة حارس ورشة إصلاح سيارات مكبل في البحيرة    قرار عاجل من مدير تعليم الجيزة بشأن المعلمين    ضبط 367 عبوة دواء بيطري مُنتهية الصلاحية ومجهولة المصدر بالشرقية    "الكتاب العرب" يدعو إلى اجتماع عاجل لهذا السبب    في أول أيامه.. إقبال كبير على برنامج «مصر جميلة» لرعاية الموهوبين    فى احتفالية كبرى، الأوبرا تحتفل بمرور 36 عامًا على افتتاحها بمشاركة 500 فنان    بعد إعلان اعتزالها.. محطات في حياة بطلة «الحفيد» منى جبر    لطفي لبيب: جربت الشغل فى الصحافة سنة ونصف ولقيتها شاقة واعتذرت    تعرف على موعد حفل وائل جسار بدار الأوبرا    محافظ المنيا يعلن موعد افتتاح مستشفيات حميات وصدر ملوي    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    «التضامن» تشارك في ملتقى 57357 للسياحة والمسئولية المجتمعية    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    بريطانيا تستأجر رحلات جوية لدعم إجلاء مواطنيها من لبنان    «القاهرة الإخبارية»: استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل داخل لبنان    صلاح الأسطورة وليلة سوداء على الريال أبرز عناوين الصحف العالمية    توقعات برج القوس اليوم الخميس 3 أكتوبر 2024: الحصول على هدية من الحبيب    «وسائل إعلام إسرائيلية»: إطلاق 10 صواريخ على الأقل من جنوبي لبنان    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    مفاجآت اللحظات الأخيرة في صفقات الزمالك قبل نهاية الميركاتو الصيفي.. 4 قيادات تحسم ملف التدعيمات    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    التابعي: الزمالك سيهزم بيراميدز.. ومهمة الأهلي صعبة ضد سيراميكا    باحث سياسي: حرب إسرائيل بلبنان تستعيد نموذج قطاع غزة.. فيديو    مدبولي يُهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    نجاح عملية استئصال لوزتين لطفلة تعانى من حالة "قلب مفتوح" وضمور بالمخ بسوهاج    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    "قومي المرأة" بالمنيا يناقش تفعيل مبادرة "بداية" لتعزيز التنمية البشرية وتمكين المرأة    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهال علام تكتب: جائحة الطلاق عالميا
نشر في صدى البلد يوم 20 - 05 - 2023

لم يخلقنا الله لنعيش فرادى، بل أوجدنا لنحيا جماعة، نولد في أسرة نكبر بكنف عائلة، نترعرع في حضن مجتمع، ثم نشب عن الطوق فننفتح على العالم الواسع نتجاوز الخطوط ونعبر الحدود وننطلق في فضاء بلا قيود، لنلتقي المزيد من أبناء الأرض فتمتزج الثقافات وتختلط الرؤى التي تُعبِر عن الحضارات فلا تتوقف عند القارات، تمتد بسلاسة فتعبر المحيطات، نستزيد من المسرات ونتعلم من المضرات، نملأ حقيبة الذكريات ونفتح كتاب الحكايات نسطر الملهمات ونبرز المعضلات، فلا رحلة دون المبهجات والتحديات.
والزواج رحلة بلا تَذكرة، فلا داعي للتِذكرة أن الأصل في الرحلة هو الذهاب دون نية الرجعة للوراء، فالأياب في الزواج متاحاً لكن روح العلاقات ليست أمراً مستباحا، لذا لا عودة دون براءة من سقم الجروح التي تطال الروح، ومهما تمتلك من الجراءة فهى تجربة تخرج منها كالطير المذبوح بجدارة.
ازدياد مرعب لمعدلات الطلاق عالمياً يصاحبه ارتفاع حاد في نسب العزوف عن الزواج فيبدو الأمر غير منطقيا، فذلك بمثابة معول هدم لكل النظريات الاجتماعية التي تحدثت على مدى قرون عن العلاقات العاطفية، ومؤسسة الزواج وقدسيتها الحتمية، ودور الحب والاختيار في اجتياز العقبات الحياتية، وأيضاً ما تلعبه المجتمعات في دعم أو ضحد تلك العلاقات الإنسانية.
لو تحدثنا عن الثقافات العربية وما يتبع الطلاق من ممارسات استثنائية، تجاه النساء بصورة خصوصية، وتزداد كلما تدخلت القبلية والعصبية والتمسك بالعادات العصية، وبالرغم مما سبق فمعدلات الطلاق تجاوزت كل ما سبق إذ لم ترتدع النساء من إرهاب المجتمعات، ولم يهتز الرجال لتبعات تلك الفعلات.
حتى المجتمعات الغربية التي تنعم بسماوات الحرية والتي تنعكس على قرارات الاختيار التي تحدد سقف الحريات، بحسب المنطق يجب أن يكون انعكاساً ايجابيا، ويدعض ذلك أن قوانين الطلاق في تلك الدول عاصفة ودائما لواحد من الطرفين ليست منصفة، ولو ذهبنا لفترة ما قبل الزواج فنجد أن كتالوج العلاقات مفتوح فلا احتياجات مؤجلة ولا رغبات مؤججة، علاقة تشاركية كاملة تخضع فيها تفاصيل الحياة للتجارب الكاملة، وبالرغم من ذلك نسب طلاق غير مسبوقة ومعدلات مثلية غير مفهومة!
ماذا حدث ليس فقط في مجتماعتنا ذات الأصول والتقاليد العريقة ولكن أيضاً في تلك الدول التي تنعم بحرية وقوانين دقيقة، لابد أن هناك سبب وحده هو القادر أن يمحو هذا العجب، لو أخضعنا الأمر للطرق العلمية لوجدنا أن المتغير هي المجتمعات والثابت هو الإنسان، إذاً هذا ما نبحث عنه من عنوان!
خلقنا الله لذا هو الأعلم بصنيعته ألم يقل وقوله الحق "إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعا" أصابنا الهلع من الحياة فبالغنا بصنع مستحدثاتها، فبادرت باطلاق شرورها من اختلال ميزان الرغبات والعجز عن اشباع الاحتياجات بعد أن اختلط درج سلم الأولويات، فكل ما ننعم به من خيرات لم تكن ممنوحة لمن سبقنا من الجدود والجدات زرع بداخلنا سأم طرح نبتاً من قلة التحمل وانعدام الأمل في إصلاح ما يصيب العلاقات من عطب، فأصبح الاستغناء هو أسهل الطرق، فكما أن مفهوم السلع المعمرة قد ذهب أدراج الريح، أصبح هذا السلوك أيضاً في العلاقات هو الحاكم وإن تطور من الريح للإعصار فتبعثرت أشلاء المودة في الكون الفسيح.
كل ما ننعم به من تطور لم يمنحنا الهدوء بل جعل أرواحنا منهكة، قدرتنا على العطاء والتحمل مستهلكة، لا نقوى على الاستمرار في ذات النهج كثيراً، أصبحنا مثل الهواتف المحمولة والكمبيوترات النقالة نحدِث برامجنا الداخلية كل فترة وإن طالت فهي قصيرة فعمر الإنسان نفسه ما هو إلا لحظات ليست طويلة، فلو طال بك الأجل لتعيش مئة عام فما هم إلا ثلاثة مليار ثانية أيها الغفلان!
تقضي معظمهم كسلان، متمسك بأرائك البالية التي تجنح بك عن شواطئ الغفران، لا تعرف من النسيان إلا اللحظات الحلوة والنِعم السارة، وهذا هو كتالوجك أيها الإنسان.
ليست الأزمة في ثنائي قررا عدم استكمال الرحلة، ولكن الكارثة في الركاب الموجودين على متنها، أطفال لا ذنب لهم فلم يختاروا الوجهة ولا الصحبة، كل أحلامهم بعض استقرار ليتمكنا من الاستمتاع بالحب والاحتواء وذلك أعظم من أي لُعبة قد تُهدى لهم، ومع تلك الحياة الصاخبة والتحديات الكبيرة التي أصبحت جاثمة على صدر الأُسر لتربي أبنائها تربية لائقة، تحتاج عقول فاهمة وقرارات حاسمة وقلوب باسمة، فالأسر شبه عاجزة عن التعامل الأمثل مع كل تلك المعوقات القائمة والتي تصعب الوصول بالأساس لتعريف مفهوم (التربية اللائقة ) وسط المتغيرات الدائمة، فما بالك بالتربية وسط انشغال الطرفين بما يتماس مع أهوائهم هم الأثنين!
حتى الزيجات الطويلة والتي استمرت لعقود متعاقبة، لم تنجو من مقصلة الطلاق المحدقة، فكم زيجة انتهت بعد سنوات بعيدة! وهذا أمر حديث نسبياً ليس في مصر ولكن الحديث هنا عن العالم أجمع، وهذا في ذاته أعجب! وإن كان الطلاق في تلك المرحلة أقل ضررا وأكثر صدقا وعقلا، لذا مع كل محاولات الدولة الحميدة من الكشف ما قبل الزواج، ومبادرات المجلس القومي للمرأة ودور الأزهر في حملات التوعية، إلا أن كل هذا في رأيي لن يؤتي ثماره المرتقبة، لأن نفس الانسان المركبة لن يخضعها قانون ولن تجد لها مسطرة، تقيس بها حجم التغييرات المقدرة.
علينا أن نتفهم أن الطلاق جائحة بحاجة للتفكير خارج الصندوق بصورة جانحة، سنوات ونحن نُحارب مرآة الحب العمياء واختيارات الأسر التي تفرض زيجات خرقاء، ونظرة المجتمع الحمقاء للعازفات عن الزواج، ولم ينجح كل ماسبق في خفض نسب العلاقات المهترأة في المجتمع، وحتى إشعار آخر ربما لن ندركه إلا في العالم الآخر يمكن أن نسعى لتحجيم الأثار وهم الضحايا من ثمرة تلك العلاقات من الصِغار، ولن أناشد الدول باصدار القوانين، ولكني سأناشد الضمير الإنساني الذي اتمنى أن يتمتع ببعض يقين أن نفسه ومشاعره وعقله وقلبه يتغير فلاداعي أن يدفع ثمن ذلك من هم مِن صلبه.
فما الذي سيضير المتزوجين حديثاً بتأجيل الانجاب حتى ينقشع ضباب البدايات، فارتفاع نسب الطلاق ليس رادع لمنع الزواج فذلك سنة الكون تلك الرحلة التي نتشاركها بما فيها من مشاعر وعقل وجنون، رحلة لا نية مبيتة فيها للعودة، ولكن من يبدل الكون ويخرج النهار من الليل ويقلب القلوب يعلم أننا ريشة في قلب هوا، لذا نحن بحاجة للسيطرة على النفس التي تمل من المحن والمنح، تأن من النقم كما النعم، لا تُدرك إلا بعد أن تفرغ، ولا تشتاق إلا بعدما تبرح..
الزواج مؤسسة، شركة بحاجة للفن والجِد والصبر والهَندسة، اختيار يعقبه قرار لا يصح أن ينتهي الأمر بالفِرار، فهي مسؤولية نتحملها بكامل قوانا القلبية فلا يصح أن نتركها في لحظة تخور فيها قوانا العقلية، بعض تغافل وقدر من التجاهل قد يكونا هم مفتاح الحياة، وليست تلك الحياة في وصفها أن تكون الجنة، فالجنة محلها السماء.. والأرض جنتها المودة والمحبة والرحمة المتوجين بالاحترام والارتياح للصحبة، فالحب في أبسط تعريفاته هو المشاركة نقتسم الترح والفرح كما العيش والملح.
الطلاق ليس نهاية العالم ولا بداية معركة، كما أن الزواج ليس بداية هذا العالم ونهاية لأداء واجب ودور في الملحمة، كل منهما قرار يسعى فيه المرء لأفضل الأقدار، ولكن التبعات لكل القرارين هي المشكلة، زواج بذرته جرحى وطلاق ثمرته قتلى، لذا على الجميع التروي قبل قرار الإنجاب فأثره مدوي، وعلينا جميعاً أن نكون على قدر من الفهم لطبيعة الكون الذي يتغير ويتبدل دون سكون، والإنسان جزء من هذا التكوين لذا سيطاله هذا التأثير، فلا تنظر لنفسك اليوم وتراهن عليها بل كن أكثر اتساعا ودراية، حدد عيوبك ومميزاتك وإلى اى مدى ستستطيع التمسك بعاداتك وثباتك وما هي قدرتك على تحمل التغيرات الجذرية في حياتك، وليكن الاختيار لمن هو الأنسب لخريطتك النفسية طويلة المدى، وليكن قرارك هو ألا تكون قراراتك سحب ممطرة تمطر غبرة على من في حياتك قاطرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.