* كان يرى أن طلب العلم هو أسمى هدف للحياة البشرية.. وأن مطالب الحياة تستلزم أداء الفرائض الدينية * كتب في الرياضيات، والطبيعيات، والفلك، والطب، بالإضافة إلى كونه مؤرخاً ولغوياً وأديباً * قال "الأفضل لي أن أودع الدنيا وأنا عالم بمسألة كنت أجهلها وأنا حي" هو أبوالريحان محمد بن أحمد بيروني، ولد في ضاحية كاث عاصمة خوارزم «بلاد فارس» في شهر سبتمبر سنة 326ه الموافق 973م، رحل إلى جرجان في سن ال 25 أي عام حوالي 388ه الموافق 962م حيث التحق ببلاط السلطان أبوالحسن قابوس بن وشمجير شمس المعالي ونشر هناك أول كتبه وهو كتاب «الآثار الباقية عن القرون الخالية» وحين عاد إلى موطنه حيث التحق بحاشية الأمير أبي العباس مأمون بن مأمون خوارزم شاه الذي عهد إليه ببعض المهام السياسية نظراً لطلاقة لسانه وحسن بيانه، وعند سقوط الإمارة بيد محمود بن سبكتكين حاكم عزنة عام407ه ألحقه مع طائفة من العلماء إلى بلاطه ونشر ثاني مؤلفاته الكبرى وهو «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة» كما كتب مؤلفين آخرين كبيرين هما «القانون المسعودي» و«التفهيم لأوائل صناعة التنجيم» وتوفي سنة 440ه الموافق 1048م وأطلق عليه المستشرقون تسمية بطليموس العرب. كان البيروني عالماً في الرياضيات، والطبيعيات، والفلك، والطب، بالإضافة إلى كونه مؤرخاً ولغوياً وأديباً. وعلى الرغم من اطلاعه الواسع على مختلف مجالات المعرفة في عصره، فإن اهتمامه كان مركزاً أكثر على الرياضيات والفلك. ويعده أعلام المستشرقين من العباقرة المسلمين العالميين الواسعي الاطلاع. للبيروني العديد من الإنجازات والإسهامات في مختلف العلوم، فقد حدد بدقة خطوط الطول ودوائر العرض، كما ناقش مسألة ما إذا كانت الأرض تدور حول محورها أم لا، وبحث في الوزن النوعي، وقدر بدقة كثافة 18 نوعاً من الأحجار الكريمة والمعادن النفيثة، وتوصل إلى أن سرعة الضوء أكبر من سرعة الصوت، كما شرح كيفية عمل الينابيع الطبيعية والآبار الارتوازية بناء على مبدأ هيدروستاتيكي. وكان البيروني ألمع علماء زمانه في الرياضيات كما يعترف بذلك «سمث» في الجزء الأول من كتابه «تاريخ الرياضيات». وبجانب ذلك اشتغل بالفلك، وبحث في هيئة العالم وأحكام النجوم، ووضع طريقة لاستخراج مقدار محيط الأرض والتي مازالت تعرف عند العلماء الغربيين باسم «قاعدة البيروني»، ووصف ظواهر الشفق وكسوف الشمس وغير ذلك من الظواهر الطبيعية والتي كانت تعد في ذلك الوقت بمثابة نقلة كبيرة وغير مسبوقة في العلوم الطبيعية، بجانب إشارته لدوران الأرض حول محورها. كما كان ملمًا بعلم المثلثات، وهو من الذين بحثوا في التقسيم الثلاثي للزاوية. رحل العالم الكبير البيروني تاركاً وراءه العديد والعديد من المؤلفات التي ستظل المرجع الأساس لكل الدارسين والراغبين في التزود بالعلم وقد تخطت هذه المؤلفات حاجز المائة ومنها على سبيل المثال لا الحصر (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، الاستيعاب في تسطيح الكرة، التعليل بإجالة الوهم في معاني النظم، التفهيم لأوائل صناعة التنجيم، تجريد الشعاعات والأنوار، الجماهر في معرفة الجواهر، التنبيه في صناعة التمويه، الآثار الباقية عن القرون الخالية، الإرشاد في أحكام النجوم، الاستشهاد باختلاف الأرصاد، الشموس الشافية، العجائب الطبيعية والغرائب الصناعية، القانون المسعودي في الهيئة والنجوم، الأحجار، مختار الأشعار والآثار، كتاب استخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحني فيها). يعد البيروني أبا الصيدلة العربية في العالم الإسلامي، فقد كتب عن الصيدلة كتباً عديدة جعلته يحتل هذه المكانة المهمة في تاريخ الطب الإسلامي، وقد سجل البيروني في كتبه كثيراً من فوائد النباتات الطبية والعقاقير والأدوية، كما كتب كتاباً أسماه «الصيدلة في الطب» وتجمعت لدى البيروني معلومات جغرافية كثيرة وضعها في كتاب سماه (نهاية الأماكن) وأثبت فيه أشياء لم تكن معروفة من قبل مثل أن وادي السند كان في العصور القديمة حوض بحر قديم كونته الرواسب التي حملها النهر. وتحدث البيروني عن دوران الأرض، وأنكر أن تكون الأرض مسطحة، وأنشأ مرصداً خاصاً به، وافترض أن الأرض ربما هي التي تدور حول الشمس، كما قال إن الأزمان الجيولوجية تتعاقب في صورة دورات زمانية، كما اهتم البيروني أيضاً بدراسة التكوين الطبقي للصخور والأنهار والمحيطات، وابتكر نظاماً خاصاً لرسم الخرائط رسماً مجسماً، وللبيروني جهود علمية طيبة في الترجمة عن لغات أخرى مثل اللغة الهندية والفارسية وغيرهما، وقد قام بترجمة اثنين وعشرين كتابًا إلى اللغة العربية أهمها ترجمة كتاب « أصول إقليدس» وكتاب «المجسطي» لبطليموس. وظل أبو الريحان يكتب البحوث المفيدة والقيمة، وينتقل من اكتشاف إلى اختراع إلى كتابة مؤلفات جديدة، وظل وفياً للعلم؛ فيذكر أنه وهو على فراش الموت زاره أحد أصدقائه فسأله البيروني عن مسألة سبق أن ناقشه فيها، فقال له صديقه: أفي مثل هذه الحال تسأل؟ قال البيروني: يا هذا، الأفضل أن أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة. وقد أشاد بمكانة البيروني العلمية كبار مؤرخي العلم، وأنشئت باسمه جامعة في طشقند عاصمة جمهورية أوزبكستان الإسلامية تقديراً لمآثره العلمية، كما اختير من بين «18» عالمًا إسلامياً أطلقت أسماؤهم على بعض معالم القمر، ومات البيروني وشيعه كبار رجال العلم ومحبوه ممن تتلمذوا على يديه، وكان ذلك سنة 440ه.