الخطاب الذي ألقاه الرئيس مرسي مساء أمس تاريخي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ذلك أنه استمر لما يقرب من ثلاث ساعات متواصلة، وخدم فكرة الحشد ل "30 يونيو" بامتياز، وحمل ألفاظا لم أكن أتصور أن يقولها "أول رئيس حافظ للقرآن الكريم" كما يدعي أنصاره، مثل ألفاظ "بنزيم، لنضة، رتل، سورال، انضغاط، بونديرة، عاشور بتاع الشرقية"، فضلا عن أنه حمل عدة أرقام ومعلومات واتهامات لأحياء وأموات. لا شك أن من كتب خطاب الرئيس يعلم أن معظم من دعوا للتظاهر ضده خلال الأيام القليلة القادمة هم من الشباب، فوجه حديثه إليهم بأنهم قد ظُلموا وأنه لن يدخر وسعا في وضعهم فيما يستحقون من مناصب، وأعتقد أن الحديث عن المناصب لم يكن موجها إلى عامة الشباب المصري، ولكن يبدو أن شباب الجماعة هم المقصودون بهذه الوعود، فالوزير أسامة ياسين، وهو القيادي بجماعة الإخوان التي ينتمي إليها الرئيس، كان من المتهمين بقتل الشباب في "موقعة الجمل"، والرئيس أكثر من مرة وصف المتظاهرين ضده من الشباب بالبلطجية وأبناء الشوارع، وجماعته دائما ما تصفهم بأنهم قلة ومخربون، وأنهم دعاة هدم لا إصلاح وأنهم أبعد ما يكونون عن الثورة، ولا سيما شباب 6 أبريل وغيرها من الائتلافات والحركات الشبابية، والتي استخدمتها الجماعة ك"مطية" خلال الدعاية الانتخابية لمرسي إلى أن تم إعلانه رئيسا حتى بدأت الجماعة ولجانها الإلكترونية في أقرب فرصة بمهاجمة قادتها واتهامهم بالعمالة. أسلوب الحديث عن المعارضة وأنها يجب أن تقوى وتتعلم من أخطائها وأنها مدعوة للحوار وأن التظاهرات السلمية فوق الرؤوس، ذكرني بالمؤتمر الصحفي الذي عقده أمين الحزب الوطني المنحل "صفوت الشريف" قبل سقوط نظام مبارك، والذي تحدث فيه بذات الكلمات قائلا بالنص "نحن كحزب وحكومة نؤمن بضرورة الحوار مع الناس والنزول إليهم وسماع طلباتهم، ولكن هناك بعض من ليس لهم أي صفة رسمية أو سياسية أو إن جاز التعبير فاشلين سياسيين يستغلون هذه المظاهرات في أشياء محظورة، ويجعلون من الشباب ستارة لهم، أقول لهم ارفعوا أيديكم عن الشباب ولا تستغلوهم، فهؤلاء أبناؤنا، فالحزب الوطني والحكومة وكل مؤسسات الدولة الرسمية ترحب بالحوار والرأي الآخر من جميع الأطراف السياسية، والحكومة تحترم جميع الأحزاب وتعتبرها جزءا من النظام وتتقبل الجلوس معها وسماعها في أي وقت، لأننا نؤمن بأن الحوار العاقل ستكون نتيجته في صالح الوطن والمواطنين". الخصومة بين الجماعة والقضاء أصبحت واضحة الآن بعد الحكم الصادر ضده بالتخابر هو و33 قيادة إخوانية، وهو ما بدا خلال الخطاب من تهكم على أحكامه من قبل الرئيس وأنصاره الذين اكتظت بهم قاعة المؤتمرات، حيث يبدي اندهاشا من "مهرجان البراءة للجميع"، فيضحكون وبعضهم يقولون له "ربيهم يا ريس"، وفي الوقت نفسه يقول قضاؤنا شامخ وأنا أحترم القضاء، فيضحكون، فيقول لهم "على فكرة بتكلم جد" فيضحكون أيضا، فضلا عن أن يهاجم قضاة بعينهم في محكمة بعينها بأسمائهم لأنهم أصدروا حكما في قضية بينه وبين غريمه السياسي، فيتهم هذا القاضي بالتزوير لمجرد شكوى قال إنه تقدم بها في انتخابات 2005، بما يعني "إما الحكم لصالحنا وإلا فأنت قاض مزوّر"، وأقول له إن احترام القضاء من احترام أحكامه، وأحكام القضاء تبنى على الجزم واليقين لا على الشك والتخمين، وليس مجرد تقديمك شكوى ضد غريم سياسي إدانة للقاضي الذي برأه ولكن ربما. كيف لرئيس دولة أن يهاجم خصمه السياسي الذي حصد ما يقرب من نصف أصوات الناخبين في انتخابات الرئاسة، ويوجه له كيلا من السباب والاتهامات، ولا سيما "السمسرة" من وراء صفقة طائرات شركة بوينج الأمريكية، وبالمناسبة هذه الشركة نفت هذه التهمة عن شفيق، وكذبت تصريحات مرسي بخصوص الصفقة التي عقدتها مع مصر للطيران في الأول من أغسطس عام 2005، ليس هذا دفاعا عن شفيق أو غيره. الرئيس طالب الوزراء والمحافظين بإقالة الفاسدين الذين قال إنهم يمتصون دم الشعب، فهل ستدخل وقائع "فساد السندوتشات" ضمن هذا التطهير؟ بعد أن صدر حكم من القضاء الإداري بإلزام وزير الإعلام برد 269 ألف جنيه للدولة قيمة حوافز تحصل عليها في 8 شهور من دم الناس الغلابة؟ وهل ستدخل "ميغة" السندوتشات في وزارتي الاستثمار والتموين ضمن هذا التطهير يا سيادة الرئيس المنتخب؟ الجماعة أصبحت تهاجم كل من يعارضها وتصمه ب"الفلولية"، مع أنهم فتحوا دوائر لنواب الوطني المنحل في 2005، ووصفوا نوابه بالرموز الوطنية، ولم يعارضوا خطة التوريث، ووصف مرشدها الرئيس السابق بأنه أب للمصريين، وطالبت شخصيات وطنية مستقلة "ومنهم نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد" بالتوسط لدى نظام مبارك، ويعقدون حاليا مواءمات ومصالحات مع رموز مبارك، ما يعني أن هذه الجماعة ليست مجرد جماعة فلول بل تمثل امتدادا للنظام السابق إن لم تكن جزءا منه. جماعة تقول إنها إسلامية عندما اختلفت مع الرئيس السادات قتلته، وحاليا تصدر الإرهاب للمجتمع من خلال تصريحات قادتها، وتعترض على طريقة سلمية لمعارضة الحاكم، يجب أن تتوارى عن المشهد نهائيا وألا يستخدمها النظام ك"مطية" وفزاعة لتخويف معارضيه وتهديدهم، تجنبا للعنف الذي تقول تلك الجماعة إنها تدعو لنبذه الآن، يا سبحان الله، رغم تهديدها بالاحتكام إلى السلاح في وجه معارضي مرسي لمجرد جمعهم أوراقا تطالبه بالرحيل عن السلطة بشكل سلمي وديمقراطي. الرئيس في خطابه اتهم المعارضة بالسعي للإيقاع بينه وبين الجيش، مع أنه في ذات التوقيت أعطى رسالة مفادها "لا تستغيثوا بالجيش لأنه تابع لي" عندما قال إن نزول الجيش لحماية المؤسسات جاء بأمر مني، مكررا عبارة "أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة" لأكثر من ثلاث مرات، وهو في ذات الوقت يعرف أن ملايين قد يخرجون للتظاهر ضده محتمين في قواتهم المسلحة، فأعطى لهم رسالة بأنه لن يحميكم أحد، وهو ما يصب في خانة الإيقاع بين الشعب وجيشه. إن نظاما يخطب رئيسه لمدة ثلاث ساعات من المؤكد أن سقوطه سيستغرق وقتا أطول مما استغرقه سابقه. المزيد من أعمدة عبد الفتاح بدوى