أعطت الفنانة التشكيلية الفلسطينية لطيفة يوسف التي وافتها المنية في الساعات الأولى من صباح اليوم، بأقصى طاقتها لفلسطين، وكرست فنها وعلاقاتها الطيبة الاجتماعية منها والسياسية والفنية في خدمة قضية شعبها، و كل من عرفها وتوجه لها، وعبرت بريشتها عن القضية الفلسطينية بأسلوب فني متميز، إذ قدمت العديد من المعارض الفردية والجماعية في دول الوطن العربي وبخاصة في مصر، وبرغم ظروف الاحتلال استطاعت أن تضع بصمتها الفنية في المحافل الدولية. بدأت مسيرتها الفنية عبر توليفات فنون الكولاج اللصقي، المؤتلفة من خامات ومواد تقنية متنوعة، تُشكل معادل بصري لطبيعة اللجوء الفلسطيني وما تعانيه مخيمات البؤس من قسوة الحياة وشظف العيش والمعاناة المصحوبة بافتقاد وطن، وكأنها بوح بصري صريح عن الفسيفساء الفلسطينية الزاخرة باللاجئين من مختلف المدن والأرياف الفلسطينية، المُغادرة عنوة مواقعها عقب نكبة فلسطين الكبرى عام 1948، كاشفة تلك اللوحات في حلتها التقنية عن حجم المعاناة وتنامي خيوط الأمل في التحرير والعودة التي رافقت يوميات انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة خارج حدود الوطن الفلسطيني المحتل، ومحمولة بيوميات الحصار الظالم على الوطن الفلسطيني عموماً وقطاع غزة على وجه الخصوص. وتعتبر «لطيفة يوسف»، أحد أبرز الأسماء الرائدة في مجال الفن التشكيلي، في الوطن العربي، ولدت في فلسطين بمدينة أسدود في آب لعام 1948، واستقرت في منتصف عمرها في جمهورية مصر العربية، وحاصلت على دبلوم تربية فنية عام 1967، وعملت مستشارة في المركز الإعلامي والثقافي الفلسطيني في سفارة دولة فلسطين في القاهرة، وكذلك عملت دبلوماسية بالمندوبية الدائمة لدولة فلسطين لدى جامعة الدول العربية بين الأعوام 2002 و2008، كذلك عملت في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الفلسطيني، وعملت بوزارة الثقافة منذ العام 1995 وحتى العام 2008، وكانت تشغل عضوية في الاتحاد العام للتشكيليين العرب، وعضوية في الاتحاد العام للتشكيليين الفلسطينيين والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية. وكانت قد قضت مسيرتها الإبداعية وتميزت بلوحاتها الفنية للتعبير عن للقضية الفلسطينية بأسلوب فني متميز، إذ قدمت العديد من المعارض الفردية والجماعية حول العالم بالرغم من الظروف التى يفرضها الاحتلال الاسرائيلي على الفن الفلسطيني، و لها بصمة مميزة في تعزيز دور الفنان التشكيلي الفلسطيني داخل الوطن وخارجه، وقد استطاعت أن تترك بصمتها الفنية الفلسطينية في المحافل الدولية. وأقامت الفنانة لطيفة يوسف أكثر 25 معرضا فرديا، وأشرفت على مئات المعارض الجماعية والتظاهرات الفنية التشكيلية في فلسطين والعديد من الدول العربية أبرزها مصر ولبنان والأردن وتونس، والدولية مثل: باريس والمجر، إيطاليا، هولندا، النمسا، الولاياتالمتحدةالأمريكية، وحاصلة على عدد كبير من التكريمات و الجوائز والميداليات وشهادات التقدير، كان أبرزها جائزة الأوسكار في ملتقى فناني الشرق الأوسط الذي شارك فيه مجموعة كبيره من فناني العالم العربي بالقاهرة 2012 ، وفي عام 2019 كرمتها وزارة الثقافة المصرية ضمن 11 مبدعة عربية في الملتقى الثاني للمبدعات العربيات، ومؤخرا منحتها وزارة الثقافة الفلسطينية مطلع العام الجاري 2022 جائزة دولة فلسطين للآداب والفنون والعلوم الإنسانية عن الفنون لعام 2021 نظيرا ابداعها الفني الذي حمل بين طياتها القيم الثقافية الإنساني والوطنية وشكّلت إضافة للذخيرة الثقافية والمعرفية الوطنية. لوحاتها الفنية عموماً تنطوي على مغامرات تقنية مكشوفة على الرمز والإيحاء، وتجليات الأنا الشخصي المندمجة في الأنا الاجتماعية، المحافظة على دثارها التقني التصويري، المفعمة بلمسات متوالدة من تيارات الحداثة الشكلية، الخارجة من عقال الواقعية لمصلحة التعبيرية الرمزية، والرمزية التأثيرية والتأثيرية التجريدية، والمشغولة وفق تقنيات طافحة بمقامات التجريب، والساعية إلى تنظيم طبقات لونية مركبة، مُتداخلة ومُتجاورة حافلة بالتجانس الإيقاعي لمتواليات الألوان، تنتمي جميعها وإن اختلفت تفاصيل محتواها الموضوعي إلى ذاكرة مكانها الفلسطيني، مُتدثرة بأثواب شكلية سابحة في أتون المخيم وهيئات المقاومين الفلسطينيين وقامات الفدائيين المتطاولة في حيز السطوح والمساحات والكتل اللونية المتناغمة. و نعت وزارة الثقافة الفلسطينية الفنانة لطيفة يوسف، وقال وزير الثقافة الدكتور عاطف أبو سيف إن الثقافة الوطنية الفلسطينية تخسر رمزًا إبداعيًّا من رموزها، ومناضلة كرّست حياتها وفنّها وثقافتها من أجل فلسطين القضية والأرض والإنسان. وقال أبو سيف إن لطيفة يوسف تُعد واحدة من المبدعات اللواتي حملن الريشة والبندقية في سبيل تحرير فلسطين وخلاصها من خلال دورها النضالي والكفاحي في صفوف الثورة الفلسطينية. وأَضاف أبو سيف أن فلسطين تفتخر وتعتز بما حققته لطيفة يوسف، حيث كرّمتها فلسطين وقدّرتها من خلال منحها جائزة فلسطين للفنون للعام 2021، التي تحمل توقيع رئيس دولة فلسطين محمود عبّاس. وقال أبو سيف إن هذه الجائزة كانت تليق بالفعل بالفنانة المناضلة لطيفة يوسف التي حملت فلسطين وقضيتها إلى كافة المحافل الفنية العربية والدولية من خلال أعمالها الفنية التشكيلية التي تحكي عن قضية شعبنا الفلسطيني من خلال رسوماتها المشحونة بطاقة تعبيرية سجلت اللحظات التي عاشتها وعاشها أبناء شعبها بسبب التهجير والاحتلال. وأضاف أبو سيف أن الراحلة المبدعة، أغنت مدونة الفن التشكيلي الفلسطيني بفرادة تجربتها، وتعد تجربتها الفنية الغنية تلخيصًا لهذه الرحلة التي عاشتها امرأة وفنانة فلسطينية مكافحة، وما تزال لطيفة امرأة عاملة وفنانة وربة بيت، وتمتاز تجربتها بالتأمل والتمهل، واتسمت لوحاتها بضربات الفرشاة العريضة والجريئة كمن يرسم ويلوّن بالسكين لا بالفرشاة.