اختصار الواقع هو محاولة للالتفاف والسير في اتجاه ملتو قصير من أجل الوصول في رأي لأهداف قصيرة المدى وضيقة المصلحة، كذلك هو محاولة لجعل الأنظار تضيق إلى حد التغافل عن مشكلات أساسية في مقابل جدل سطحي يستهلك الوقت والجهد في زيف واحاديث تتلون بصبغه شكلية تخلو من أدق التفاصيل المهمة التي لابد من صنع حالة من الخطوات المنظمة لمناقشتها أولا ومن ثم صنع الخطط اللازمة للخوض في حلها. ما نجده اليوم على الساحة المجتمعية في ظل صراع سياسي واقتصادي مزدحم بالمواقف التي يلزمها الحسم وبالقضايا التي لابد من التفرغ لحلها لا يرقى لأن يكون على القدر الملائم لمثل تلك الأوضاع.. نجد الحوار المجتمعي يختصر كي يتحول إلى أحاديث حول الشكل الخارجي والتنميق والتنسيق.. فتجد حوارات تستميت للوصول إلى نتائج حول الملامح الشكلية بالطبع لملابس النساء، وكأن اللعبة السياسية اختصرت لتكون في النهاية نتائجها إما لصالح الحجاب أو ضده. للأسف إن البعض الكثير اختصر مسألة التيارات السياسية على أساس التوجه الديني والأدهى أن يتقوقع هؤلاء في أن الفكرة شكلية وأن هؤلاء يرتدون النقاب والآخرون سيفرضون الحجاب والليبراليون ضد الحجاب على حد تعبيرهم. أين إذن قراءة الواقع قبل أن ننحاز لتيار معين؟ وعليه كيف يتأتى الفهم الصحيح للمفاهيم والأيدولوجيات السياسية؟ حتى يتسنى لهؤلاء أن يرتقوا إلى حد القدرة على الاختيار المقتنع والمقنع في ذات الوقت. تعني المشاركة السياسية عند صومائيل هاتنجتون وجون نلسون ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء أكان هذا النشاط فرديًا أم جماعيًا، منظمًا أم عفويًا، متواصلا أو متقطعًا. لابد أن يعي الجميع أن مجرد الميل إلى تيار معين يعني ازدياد ميزان كفة هذا التيار على حساب آخر.. مما يعطي له الأحقية في التأثير المستقبلي على مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. وبالتالي فإن الوصول لمرحلة الاختيار والتصويت لابد أن تتأتى عن وعي تام بمدرسة أي تيار سيقوم الفرد باختياره، حيث يجب دراسة هذا التيار الدراسة الوافية.. أما أن تختصر المسائل كما يحدث لتستقر على مجرد جدل في مسائل سطحية بالنهاية هى مسائل حريات شخصية يمكن حسمها بشكل فردي فهذا سيسفر عن صدمة يخشى منها. الانتخابات الآن هى ليست فقط وسيلة لتشكيل النظام السياسي الشرعي للمجتمع، بل أصبحت علما وفنا لرسم خريطة المجتمع والدولة معا وتكوين مؤسسات وتكتلات تساهم في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي والثقافي للبلد برمته.. وبالتالي تعددت الاصطلاحات والنظريات التي لابد من فهمها وإقرارها للدراسة لجميع أفراد المجتمع لإعطاء حيوية ونمو ثقافي انتخابي للأفراد في سبيل تكوين مجتمع تعددي متطور ومنسجم. لست هنا أبالي بتيار على حساب الآخر.. بل ما وددت الإشارة إليه هو البناء المتدرج للثقافة الانتخابية التي لابد أن ترتقي إلى حد الدقة في الاختيار، و هو ما يكون على رأس الهرم الانتخابي وبالتالي تسبقه الدعاية الانتخابية التي لابد أن ترقى لمستوى الحوار المجتمعي القائم على أساس متين من برامج تخدم الواقع بكل مقتضياته السياسية والاقتصادية والداخلية والخارجية.. والقاعدة المتينة للهرم الانتخابي هى ثقافة انتخابية متينة مبنية على أفق يتسع لاستيعاب كافة المفاهيم والتيارات حتى يتسنى الوصول لقمة الهرم الانتخابي.. وهو الاختيار.