إن أحداث الشرق الأوسط الحالية وما تحويه من زخم هى حديث العالم والتي بدأت بثورة الياسمين في تونس مرورا بأحداث مصر وما جرى فيها وصولاً إلى استقالة الحكومة برئاسة الدكتور نظيف.. عندما تراجع ما حدث خلال الأيام السابقة لثورة الياسمين في تونس فإنك سوف تجد التكنولوجيا ووسائل الاتصالات حاضرة وبقوة، فبدءًا من استخدام موقع "اليوتيوب" المتخصص في بث مقاطع فيديو لما يحدث في الشارع، مروراً باستخدام بعض مواقع التواصل الاجتماعي لنقل جزء من صورة ما يحدث في الداخل للمجتمع الدولي، وهو ما نجحوا فيه رغم وجود حالة من المنع في التعاطي مع الإنترنت داخل تونس. ولعلها من المفارقات التي تسترعي الانتباه أن تكون خدمات الاتصالات والتكنولوجيا التي رشحت الدكتور نظيف لمنصب رئيس الوزراء، هى نفسها التي ساعدت على خروجه من منصبه، فالدكتور نظيف كان أول وزير يرأس وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خلال الفترة من 1999 إلى 2004، وذلك قبل توليه منصب رئيس الوزراء، حيث قام بدور مهم في قطاع الاتصالات التي شهدت بعض التطوير والتحديث ومزيدًا من خدمات الاتصالات المتنقلة وخدمات الإنترنت وهو ما رشحه ليتولى منصب رئيس الوزراء. إن حكومة الدكتور نظيف والتي تم تشكيلها في منتصف عام 2004 أُعُتبرت من التكنوقراط -و التي تعني مجازًا حكومة الفنيين والتي تتكون من المهندسين والمعماريين والاقتصاديين المشتغلين بالعلوم ومن يقومون بقياس الظواهر الاجتماعية واستنباط قوانين يمكن توظيفها للحكم على هذه الظواهر في خدمة النظام الاجتماعي كنتيجة طبيعية لتقدم التكنولوجيا – قد منحت في وقتها بعض الأمل في المزيد من التحسن على خلفية الإنجازات التي تمت في مجال قطاع الاتصالات وهو ما ظهر فيما بعد على أنه أقل من تطلعات ومتطلبات الشباب، لذلك ذهب جيل الشباب إلى استخدام الإنترنت ومواقعه الاجتماعية في التواصل للتعبير عن غضبهم من تردي أوضاعهم بصورة مباشرة، وبالتالي أصبح الفضاء العنكبوتي للانترنت هو وسيلتهم في التعبير والتنفيس عن أنفسهم بعيداً عن الاصطدام المباشر مع قوات الأمن وحتى يتلافى بعضهم مخاطر هذه الصدامات، ولكن مع تزايد بعض الضغوط خرجت جموع من الشباب للتعبير عن أنفسهم ومطالبهم في عيد الشرطة المصري ودعوا لتظاهرة سلمية على الإنترنت وهو ما تابعناه من خلال تغطية الكثير من الفضائيات. إن أحد أسباب تفاقم المشكلة وخروج المزيد من الناس والشباب إلى الشوارع هو قطع الإنترنت وحجب مواقع التواصل الاجتماعية وكذالك تعطيل اتصال الهاتف النقال في الكثير من المناطق وهو بالتالي ما عطل وسيلة مهمة كانت تغني الكثيرين عن الخروج للشارع لمتابعة ما يجري على أرض الواقع وهو ما دفع بالمزيد من الناس ليتفاعلوا في الشارع عملاً بالمبدأ "الخروج للشارع إذا تعطلت وسائل الاتصالات" وهو للأسف ما دفع لمزيد من الغضب والصخب الذي تواتر مع بعض الأعمال التي تضر بهؤلاء الشباب أنفسهم. إن أحدى أكبر المشكلات المتعلقة بمنع تشغيل الإنترنت هو توقف جميع الخدمات والبيانات التي كانت تعبر من خلال مواقع الانترنت والتي قد تعمل في قطاعات وخدمات بعيدة كل البعد عن الاضطرابات، بل إن بعض المواقع قد تقدم بعض خدمات الدعم الفني وخدمات الاستشارة التقنية من خلال بعض الشركات المتخصصة والتي قد تكون أيضاً شركات عالمية، وهو ما يقوض فيما بعد رغبة هذه الشركات في التواجد بما يعرف بمراكز خدمات العملاء، وهو ما يعمل على تقليص عائد مهم من هذا القطاع وبالتالي تصبح الخسارة مزدوجة ما بين خروج مَن لا يتوفر لهم الإنترنت من الشباب للشارع، وخسارة رءوس أموال تعمل في قطاع خدمات تقنية المعلومات، وهو ما ظهر على بعض مواقع الشركات على الإنترنت. ستظل الشعوب حالها حال الأفراد تبحث عن الأفضل والأحسن مهما كانت الحقيقة على أرض الواقع سواء توفرت وسائل الاتصالات أم لم تتوفر، ولكن توفرها قد يقنع البعض بالبقاء، ولو لفترة، عند خطوط المواجهة والصدامات والتي قد لا تحدث أبداً في حال استجابة المطالب الشرعية والأساسية للحياة. *أكاديمي ومتخصص في قطاع الاتصالات