أبو ظبي تحتضن القمة الخامسة بين الإمام الطيب والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان لشيخ الأزهر: سأصلي ليمنحكم الله الصحة والعافية شهدت العلاقة بين «الأزهر والفاتيكان» اضطرابًا، منذ عام 2006 - بعد تولي البابا بنديكت السادس عشر، بابا الفاتيكان السابق منصبه، حيث شهدت العلاقة من بدايتها تعقيدًا بينه وبين العالم الإسلامي، عندما استشهد في إحدى خطاباته بقول لأحد الفلاسفة الذي ربط بين الإسلام والعنف، في محاضرة كان يلقيها البابا بنديكت السادس عشر لطلبة كلية دينية؛ مما أثار استياء الأزهر. اضطراب العلاقة: ورغم محاولات الفاتيكان العديدة توضيح أن هذا الأمر لم يكنْ خطأ مقصودًا، ولكنه سوءُ اقتباسٍ، وأن البابا لم يقصد الإساءة إلي نبي الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتقديمه اعتذارا رسميا، إلا أن الأزهر لا يزال يرى أن ما حدث يُمثل إهانة وجرحًا لمشاعر المسلمين. وشهدت الأعوام من 2006 إلى 2010 توترًا في العلاقات بين الأزهر والفاتيكان جراء هذه التصريحات، حتى انقطعت العلاقات تماما في 2011 بعد تصريحات البابا بنديكت حول حادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية، والتي طالب فيها بحماية المسيحيين بمصر؛ ما اعتبره وقتها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، تدخلًا في الشؤون المصرية. وأشار الأب رفيق جريش، رئيس المكتب الصحفي للكنيسة الكاثوليكية، في تصريحات صحفية له، بعد تصريحات البابا بنديكت عن "حادث القديسين" مباشرة، أن "انهيار العلاقة بين الكنيسة والأزهر راجع إلى قناة الجزيرة القطرية التي ترجمت خطأ حديث بابا الفاتيكان عام 2011، ونسبت له مطالبات بتدخل الغرب لحماية المسيحيين الموجودين بالدول العربية الإسلامية المختلفة، خاصة مصر، وذلك بعد حادث كنيسة القديسين؛ مما أثار استياء الأزهر، واعتبره تدخلا في شؤون مصر. وأوضح الأب رفيق جريش، أن هذا ما لم يحدث، حيث إن البابا نادى وقتها بضرورة قيام الحكومة بدورها في حماية مواطنيها، ولم تكن هناك حالة خصام كما يروج البعض، بل إن العلاقات كانت مستمرة، وما حدث كان تجميدا لمهام لجنة الحوار المشترك بين البلدين". عودة العلاقة: واتفق الأزهر الشريف والفاتيكان، في ال16 من فبراير 2016، على أهمية عقد لقاء مشترك بينهما للترتيب لعودة الحوار بين الجانبين والذي توقف منذ سنوات بسبب بعض التصريحات للبابا السابق والتي أسهمت في توتر العلاقة بين الطرفين، وانعقدت في العاصمة الإيطالية روما، لقاء قمة بين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وذلك لبحث جهود نشر السلام والتعايش المشترك، وشهد هذا اللقاء عودة العلاقات بشكل رسمي. أهمية اللقاءات بين الشيخ والبابا: وتمثل هذه اللقاءات قمة تاريخية بين الرمزين؛ لتؤكد عمليا على استمرار تقوية أطر الحوار الحضاري بين الشرق والغرب، وتنسيق الجهود بين الأزهر الشريف والفاتيكان من أجل ترسيخ قيم السلام، ونشر ثقافة التسامح والتعايش بين مختلف الشعوب والدول، وحماية الإنسان من العنف والتطرف. وتحتل مباحثات الإمام الأكبر مع قداسة البابا فرانسيس، قضايا النزاعات الطائفية والاضطهاد الديني والعنصرية إلى جانب قضايا نشر السلام والتسامح وقيم العدل والمساواة صدارة حيث أكد الإمام الأكبر العمل المشترك في تبني حوار جاد بين جميع الأطراف لحل النزاعات والتأكيد على براءة جميع الأديان من دعاوى العنف والتطرف. لقاءات شيخ الأزهر مع بابا الفاتيكان: ونجح الإمام الطيب والبابا فرنسيس في نسج علاقة أخوية عميقة بينهما، قائمة على التلاقي الفكري، والإيمان العميق بالقيم الإنسانية المستمدة من تعاليم الأديان، والسعي بدأب من أجل تشييد جسور الحوار والتعايش بين البشر على اختلاف أديانهم وثقافاتهم، إضافة لتمتع كلاهما بمسحة شخصية تميل للزهد والبساطة والتعاطف العميق مع الفقراء والمحرومين. بداية عودة العلاقات: وشهدت العلاقة بين الأزهر الشريف والفاتيكان في السنوات الأخيرة نقلة غير مسبوقة، بدأها الإمام الطيب في مارس 2013 عندما بادر بتهنئة البابا فرنسيس بتقلد رئاسة الكنيسة الكاثوليكية، مؤكدًا أن عودة العَلاقات بين الأزهر والفاتيكان مرهون بما تُقدِّمه مؤسسة الفاتيكان من خطوات إيجابية جادّة، تُظهِر بجلاءٍ احترامَ الإسلام والمسلمين، وجاءت تلك المبادرة تجاوبا مع تأكيد البابا فرنسيس خلال لقاء جمعه مع سفراء 180 دولة عقب تنصيبه، على أهمية الحوار مع الإسلام. ونجحت تلك المبادرات المتبادلة في إنهاء فترة من الجمود والتوتر في علاقة الأزهر والفاتيكان، ليتم الإعلان رسميا في 24 من نوفمبر 2014 عن استئنافَ الحوار بين الجانبين، وإعادة تفعيل لجنة الحوار المشترَك، والبناء على القَواسِم المشترَكة التي تنطلق منها الديانتان الإسلامية والمسيحية، لتعزيز التعايش المشترَك والاندماج الإيجابي للشعوب، وتوحيد الجهود لمواجهة الأفكار المتطرفة من أجل العيش في عالم مليء بالمحبة والتسامح والأخوة والسلام. اللقاء الأول: عقد اللقاء الأول بين الرمزين الدينيين الكبيرين في الفاتيكان، في 23 مايو 2016، حيث قال البابا فرنسيس للصحفيين عقب اللقاء إن "الرسالة من الاجتماع هي لقاؤنا بحد ذاته"، فيما أشار البيان الصادر عقب اللقاء إلى أنه ركز على تنسيق الجهود من أجل ترسيخ قيم السلام ونشر ثقافة الحوار والتسامح والتعايش بين مختلف الشعوب والدول، وحماية الإنسان من العنف والتطرف والفقر والمرض. اللقاء الثاني: أما اللقاء الثاني بين البابا فرنسيس والإمام الطيب فقد عقد بالقاهرة في أبريل 2017، حيث شارك قداسة البابا في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام، واحتلت صورة عناق البابا والإمام الأكبر صدارة وسائل الإعلام العالمية، فيما شدد شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية في كلمتيهما خلال المؤتمر على القيم الإنسانية التي تحملها تعاليم الأديان، ورفضها للعنف والكراهية. اللقاء الثالث: وتكرر لقاء الطيب وفرنسيس للمرة الثالثة في السابع من نوفمبر 2017، لكن هذه المرة في مقر البابا بالفاتيكان، حيث حرص البابا فرنسيس على استضافة الإمام الأكبر على مائدة غداء في مقره الخاص، وشدد الإمام الطيب على استعداد الأزهر لتقديم "كل ما يملك من خبرة من أجل تعاون بلا حدود لنشر فكرة السلام العالمي، وترسيخ قيم التعايش المشترك وثقافة حوار الحضارات والمذاهب والأديان"، واصفا البابا بأنه "رمز نادر في أيامنا هذه، إذ يحمل قلبا مفعما بالمحبة والخير والرغبة الصادقة في أن ينعم الناس، كل الناس، بالسلام والتعايش المشترك"، وأهدى بابا الفاتيكان شيخ الأزهر شعارًا تذكاريا يحمل اسم «ملاك السلام» اللقاء الرابع: وجاء اللقاء الرابع بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان في 16 أكتوبر 2018 بالفاتيكان، حيث أبدى البابا فرنسيس تقديره لتلك الزيارة الودودة من الإمام الأكبر، مقدرًا الدور المهم لشيخ الأزهر في دعم قيم السلام والحوار عبر العالم، مؤكدًا أن الفاتيكان يتطلع لمزيد من التعاون والعمل المشترك مع الأزهر الشريف، فالعالم في حاجة لجهود من يشيدون جسور التواصل والحوار، وليس لمن يبنون جدران العزلة والإقصاء. اللقاء الخامس: تستضيف العاصمة الإماراتية أبو ظبي، هذا الأسبوع، لقاء قمة تاريخي بين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، وهو ما يعد اللقاء الخامس الذي يجمع بين الرمزين الدينيين الأكبر في العالمين الإسلامي والمسيحي. علاقة محبة: ولم تقتصر علاقة البابا فرنسيس والإمام الطيب على اللقاءات المشتركة، بل امتدت لتشمل العديد من المكالمات الهاتفية في المناسبات المختلفة وكان آخرها اتصال البابا فرنسيس بشيخ الأزهر لتهنئته بعيد مولده الذي يوافق السادس من يناير، فيما سبقه اتصال من شيخ الأزهر لتهنئة البابا بأعياد الميلاد وبعيد مولده، الذي يوافق السابع عشر من ديسمبر، وكذلك الاتصال من بابا الفاتيكان لشيخ الأزهر للعزاء في شهداء حادث مسجد الروضة، وكذلك للعزاء في وفاة شقيقة الإمام الأكبر وجه البابا فرانسيس الثاني، بابا الفاتيكان، في 15 يناير2018، رسالة شكر للإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ردًّا على رسالة التهنئة التي بعث بها إلى البابا في 25 ديسمبر الماضي بمناسبة الاحتفال بأعياد الميلاد السعيدة، قائلًا: «سأصلي من أجلكم، طالبًا من الرب خالق السماء والأرض، أن يمنحكم الصحة والعافية لمواصلة العمل، رغم الصعوبات، لتعزيز الحوار ومن أجل الخير والتعايش بين الناس، ولا سيما الأكثر احتياجا والمنبوذين من المجتمع». وأجرى الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، اتصالًا هاتفيًا، بالبابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، لتهنئته بحلول أعياد الميلاد، وبمناسبة عيد ميلاد البابا الثاني والثمانين، ورد بابا الفاتيكان على ذلك برسالة موجهة لشيخ الأزهر قال فيها:«أصلي دائما من أجلك وأشكرك على محبتك الخالصة».