أكد اللبناني دانيال جوزيف، مخرج فيلم "تاكسي بلد"، أن الفيلم يقدم نموذجاً لسائق التاكسي الذي نعفه جميعاً في العالم العربي، والذي يحب الدخول في حوارات مع الركاب قد لا يكون كلها صحيحاً. وقال "دانيال" في الندوة التي أعقبت عرض الفيلم اليوم الجمعة ضمن المسابقة العربية لأفلام مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الخامسة والثلاثين، وأدارتها الناقدة باكينام قطامش، إن شخصيات الفيلم تتقاسم حيز المدينة داخل سيارة تاكسي سائقها (الممثل طلال الجردي) مرن الطباع وخفيف الظل، وماكر ويحكي حكايات لا يمكن تصديقها بالكامل، مثله مثل حال أي سائق تاكسي في مصر، أوكما تقولون عنه كمصريين أنه يحب "الفشر"، ويحشر نفسه دائماً فيما يعنيه ولا يعنيه. وأكد المخرج دانيال جوزيف أن الفيلم لم يكن ليخرج بهذا الشكل لولا الروح اللبنانية المتعاونة، حيث استطاع بجهد مشترك مع الممثلين أن يخرج بتوليفة سيناريو ولقطات لبنانية بحتة، إذ لا يمكن لمن يسكن بيروت إلا أن يجد هذا العمق في إبراز صورة المدينة وحياتها، وأيضا في تصوير روح القرية اللبنانية ومجتمعها المحلي المختلط اختلاطا قاسيا، إذ تبدو العلاقات قوية والناس تراقب بعضها البعض وتنتقد كل شاردة وواردة كما تفعل جارة يوسف التي تحكي عن سهراته رغم أن موت أمه لم يتعد الأربعين يوما، وكما تحاول خالته (الممثلة عايدة صبرا) أن تثنيه عن فعل ذلك وهي لا تزال تراه طفلا في التاسعة من عمره. من جانبه، قال بل الفيلم "طلال الجردي" إن المزيج اليومي في حركة بيروت التي لا تنام هو جزء من أصل الحكاية في الفيلم، فيما تتكيف أجزاء القصة مع شخصية سائق التاكسي صاحب الحظ العاثر، والذي تحوله بيروت إلى أفضل سائق في البلد، كما تقول له الزبونة الأمريكية جوردان "الممثلة كارينا لوج" بابتسامة لطيفة في نهاية الفيلم، محاولة اكتشافه والتودد إليه ليصبحا صديقين، بلا أي إشارات أخرى لنوع العلاقة الغريبة التي ربطتهما، فهو لم يحبها ولم تحبه ولم يقيما علاقة ما، وهنا تكمن قوة الفيلم بابتعاده عن عنصر المشاهد الساخنة وقدرتها على سحب الجمهور إلي الفيلم منذ أول دقيقة إلى نهاية الفيلم. ويحاول الفيلم أن يأخذنا بطريقة غير مصطنعة إلى يوميات سائق تاكسي هاجر قريته الواقعة في شمال لبنان حاملا معه ألفا وخمسمائة دولار أمريكي إلى العاصمة، باحثا عن حياة أخرى مع حلم لترك البلد نهائيا بعد الحصول على فيزا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن شاءت أقدار البطل يوسف إلا أن يبقى في بيروت ويحبها بطريقته متناسيا حلم الغربة، ونائما في سيارته كل ليلة. وفي العاصمة يلتقي بأشخاص مختلفين يجلسون في المقعد الخلفي لسيارته وكل واحد منهم له قصة وحكاية ومعه نتدرب على كيفية التعامل معهم. فهو استطاع بحنكته وطرافته أن يخطف ثقة امرأة أمريكية تسكن في بيروت وتعمل في نادٍ رياضي فاخر، معها يستطيع أن يتكيف مع الحياة البيروتية بشكل آخر وأن ينسى قريته وناسها الحشريين، كما قال في أحد مشاهد الفيلم. ومن هناك يعود إلى قريته في سنة وفاة أمه ولتعود الذاكرة به إلى طفولة منسية مليئة بالحكايات الظريفة من بطل الحي كارلو ومصارعاته وولعه بأجمل فتاة في الحي والذي يصاب بالإيدز بعد هجرته إلى البرازيل مثل ما فعل والد يوسف عندما كان عمره 5 سنوات تاركا إياه مع أمه (الممثلة هيام أبو شديد)، وقصة سرقته مال المزارات الدينية للسيدة مريم العذراء وشغفه بأن يصبح لاعب كرة قدم مشهورا جدا بعد أن كانت قريته مقسمة بين مشجعين للبرازيل ومشجعين لإيطاليا، قبل أن تقسمهما الحرب ومعها التيارات السياسية والحزبية. يشير جوزيف إلى أن وجوده في لبنان لتصوير فيلم سابق عن بيروت (بلود تاكسي) بعد أحداث 7 مايو (أيار) دفعه إلى تغيير السيناريو والتوجه لكتابة سيناريو «تاكسي البلد». كتب السيناريو باللغة الإنجليزية وساعده في ترجمته الممثل طلال جردي حيث تشاركا مع وليد فخر الدين ولينا خوري في إنتاج الفيلم بمساهمة صغيرة من مؤسسة «إنجاز» في دبي، ومن هناك كل شخصية شاركت في كتابة دورها. إذ أكدت الممثلة نغم أبوشديد ل«الشرق الأوسط»، التي أضحكت المشاهدين بظهورها القصير في الفيلم أن «المشاركة في كتابة الدور كان متعة حقيقية وتجربة استثنائية في العمل السينمائي اللبناني»، موضحة أن «التآلف الذي أوجده العمل بين الممثلين كان فكرة رائعة من المخرج والمنتجين»، مشيرة إلى أن العمل «سيكون له صدى إيجابي لأنه مهضوم ومسل ومبتعد عن الهموم التي تخبط بلبنان».