القلق حالة مزاجية لا نعرف سبل تجنبها بل لا نجد لها سوى الاعتكاف على إيجاد البدائل المطمئنة في مقابل الوضع الذي أدى لحدوث تلك الحالة. ولا أجدها حالة سلبية بقدر ما هى مؤدية إلى طريق مطوي على جهد سيبذل من العمل الذهني، لا يمكن إنكار أن حالة القلق تصحبها مجموعة متنوعة من التوترات المرهقة والتى تؤدي لفترة زمنية - قد تقصر وقد تطول - من المعاناة. لكن بتحليل تلك المعاناة، نجدها عبارة عن مجموعة الأعمال التي تترجم عن الأفكار التي بذلنا لأجلها الجهد حتى نعبر مرحلة القلق. المجهول مسمى يتسع كلما زاد إيماننا به، ويتحول إلى مرحلة المتاهة في حال أغلقنا منافذ الاتصال الموجودة بداخلنا وتغاضينا عن إمكانيات فك تلك الطلاسم المطوية، وقد ينعدم المجهول وينحصر في مجرد المسمى في حال توصلنا إلى الترتيب الذهني المنطقي للحدث وتقسيمه بحيث تكون البداية هى نقطة الارتكاز ونتحول تصاعديا حتى نصل بها إلى منطقة الذروة هنا قد يحدث القلق المؤدي إلى حالة التوتر. في ذروة الحدث وخضامه، قد يتوقف البعض ولا يحاول أبدا مقاومة التيه الذي يعتريه وقد يشعر بالاغتراب.. هؤلاء الأشخاص يفتقدون القدرة على المواجهة، المهارة تحتاج للتدرب ومهارات الذهن قد تتم إعادتها أكثر من مرة حتى نصل إلى القدرة على الطمأنة الذاتية والمواجهة للمواقف هى إحدى مهارات الذهن الضرورية، الأقوياء يواجهون ذهنيا. التفوق لدى المنافسة يكمن في القدرة على التعامل مع المواقف بسلاسة وقيادة متمكنه تؤدي للمرور بمرونة داخل منحنيات الحدث.. شخصنة الأحداث وسيله فعالة للتعامل وتعطي الفرصة أمامنا للنقد وإعطاء الفرصة للتحليل المتأني، كذلك التمسك بالارتباط الزمني للحدث وعدم إغفاله من الأهمية بحيث نتمكن من عمل الارتباط المطلوب والتماسك بين الحالة المكانية والزمانية. منذ أيام أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد، كان الاعتقاد السائد والشائع في أوروبا أن الحياة تنشأ فجأة (نظرية التوالد الذاتي) وتلقائيا من ضمن مادة غير حية بآلية دعوها التخلق اللاحيوي، إلا أن تجارب لويس باستور في القرن الثامن عشر وضعت شكوكا قوية حول هذه النظرة، فقد أثبت باستور ان الوسط العقيم لا يمكن إلا أن يبقى عقيما، أي أنه لن تظهر به أي شكل من أشكال الحياة ما لم تدخله إحدى المكونات الحية، كانت نظريته تقول أيضا إن الكائنات الحية المعقدة لا تأتي إلا من أشكال معقدة للحياة، وبالتالي كانت أفكاره أساسا للتخلق الحيوي الذي يشكل أساس مقولة "كل الحياة تأتي من البيضة".
الأهم أننا نصنع الأحداث وهى لا تختلق أبدا جزافا، بل إننا لو لم نكن الفاعل الرئيسي لها فقد نساهم في إحداثها على الوجه الذي يقابلنا ونواجهه بقلق، وبالتالي عندما نعود للخلف القريب سنجد تلك النقطة التي أشرت إليها وهى نقطة الارتكاز المسماة نقطة البداية، عندها سنهدأ ونعلم جيدا أن المجهول منعدم في الأساس وأن لكل كائن أساس، والأحداث كائنات لا تنبض، لكنها كائنات صنعناها بمزج الزمان بالمكان والشخوص. الانفعال بالناس والأشياء شيء مرغوب، فنحن نخاف عندما نتعرض لخطر ما، وندهش للأشياء الغريبة والمفاجئة، ونحس بالندم للأخطاء التي كان بإمكاننا تصحيحها، ونغضب عندما نجد اعتداءً على حقوقنا أو مكاسبنا، ونحب البعض، ونكره البعض الآخر، فهذه كلها انفعالات محمودة وسوية طالما أنها تحدث في وقتها الملائم وفي الظروف الملائمة. بالتالي فكل تلك المتطلبات اللازمة والانفعالات المحمودة لابد لنا من استحضارها في بعض الأحيان سويا وبشكل متتالي ومنتظم حتى تتحول إلى عوامل مساعدة للتفسير وتفكيك المواقف التي قد تؤدي بنا إلى القلق من الآتي والذي ننعته بصفة المجهول. سؤال لابد لنا أن نعمل على إعادة صياغته دوما وتكراره حتى نجد له الإجابات بأشكال مختلفة في كل مرة يتوارد فيها إلى أذهاننا، لأنه قد يكون البداية أيضا للحل الذي يأتي تلو تفتيت الحدث وإرجاعه إلى الأصل والأساس المنطقي للسؤال هو: إلى أين؟ لا يمكن لشخص أن يسير مغمض الذهن، بل لابد من وضع خارطة طريق منظمة ومقسمة مبنية على التفكير وأحيانا الألاعيب الذهنية الحميدة لتحقيق ما نصبو إليه من استقرار وارتكاز بقوة على دعائم تجنبنا أية متاهات قد لا نجد لها الحلول.