كانت مهتاب يوروك معلمة في إحدى رياض الأطفال بجنوب شرق تركيا إلى أن أقيلت العام الماضي في حملة تطهير شملت عشرات الآلاف من العاملين في الدولة، وهي الآن تتعيش من بيع الدجاج والأرز من عربة بالشارع، وتحلم أن تعود يوما لفصلها وتلاميذها الصغار. لكن ذلك اليوم قد لا يأتي أبدا إذا منح الاستفتاء المقرر إجراؤه غدا الأحد الرئيس رجب طيب إردوغان سلطات جديدة كاسحة، كما قالت يوروك وهي تغرف الأرز في صحن من الورق المقوى لتقدمه لأحد زبائنها. قالت "إذا جاء التصويت في الاستفتاء "بنعم" فسيكون من الأصعب كثيرا لنا أن نرجع لأعمالنا، بل وقد يتسع نطاق هذه الإقالات". كانت السلطات التركية قد ألقت القبض على 40 ألف شخص بعد محاولة انقلاب شهدتها البلاد في يوليو وأقالت أو أوقفت عن العمل 120 ألفا آخرين من العاملين بالجيش والشرطة والتعليم والقطاع العام متهمة إياهم بأن لهم صلات بجماعات إرهابية. والغالبية العريضة من هؤلاء، من أمثال يوروك، يقولون إن لا شأن لهم بمحاولة قلب نظام الحكم وإنهم ضحايا حملة تطهير الغرض منها تعزيز قبضة زعيم يسير بخطى متسارعة نحو الحكم المطلق. وأحدث الاستفتاء انقساما كبيرا داخل تركيا، ويقول إردوغان إن تعزيز الرئاسة سيقي البلاد انعدام الاستقرار الذي تعاني منه الحكومات الائتلافية في وقت تواجه فيه تهديدات أمنية من متشددين إسلاميين وأكراد. لكن منتقديه يخشون توغلا في حكم شمولي يقوده زعيم يرون أنه عاكف على تقويض الديمقراطية في الدولة التركية الحديثة وأسسها العلمانية. وبعد محاولة الانقلاب مباشرة أيد كثير من المواطنين عمليات الاعتقال الجماعي متفقين مع إردوغان حين اتهم رجل الدين فتح الله كولن المقيم بالولايات المتحدة بتدبير محاولة الانقلاب التي سقط فيها 240 قتيلا معظمهم من المدنيين. لكن الانتقاد تزايد مع اتساع نطاق الاعتقالات لتشمل أفرادا من مختلف أطياف الحياة مثل القابلات وحراس سجون في أجزاء نائية من تركيا وكذلك نوابا في البرلمان من المعارضة المؤيدة للأكراد مما جعل ثالث أكبر حزب في البلاد بلا قيادة فعليا. وقال عمر فاروق جيرجرلي أوغلو وهو طبيب وناشط حقوقي أقيل هذا العام "حملات التطهير هذه ليست حالات فردية على الإطلاق، بل هي ظاهرة غذاها مناخ انعدام القانون. وفي حالة التصويت "بنعم" ستزداد الأمور سوءا". ورد في تقرير أعدته النائبة المعارضة زينب ألتيوك أن حملة التطهير في القطاع العام منذ الانقلاب حرمت 1.5 مليون تلميذ من مدرسيهم. وأضاف التقرير الصادر الشهر الماضي أن الدولة وضعت يدها على أكثر من 600 شركة وأوقفت سريان 140 ألف جواز سفر وأقالت 65 رئيس بلدية منتخبا. وبالإضافة إلى ذلك أقيل أكثر من 2000 صحفي وأغلقت عشرات القنوات التلفزيونية والإذاعية والوكالات الإخبارية والصحف. وقال خبراء حقوقيون بالأممالمتحدة إن عمليات الإغلاق تلك قوضت فرصة الجدال القائم على المعلومات في مرحلة الاستفتاء وإن حالة الطوارئ التي فرضت بعد محاولة الانقلاب باتت ذريعة تبرر الإجراءات القمعية التي ربما تكون مجرد بداية في حالة فوز إردوغان بسلطات أوسع بعد الاستفتاء. وقال خبراء الأممالمتحدة يوم الخميس "نظرا للطبيعة التعسفية والكاسحة لمراسيم الطوارئ التي صدرت منذ يوليو 2016، هناك قلق كبير من احتمال استغلال مثل هذه السلطات على نحو يفاقم انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية القائمة". تولى إردوغان الرئاسة عام 2014 بعد أن أمضى عشر سنوات رئيسا للوزراء. وقد أحال بالفعل دور الرئيس الذي كان شرفيا إلى حد كبير إلى منصة عمل. ومن شأن الاستفتاء، في حالة تأييد التعديلات الدستورية التي يقترحها، أن يمنحه سلطات تنفيذية كانت قاصرة يوما على مجلس الوزراء الذي يمكن مساءلته أمام البرلمان. وتعهد إردوغان أيضا بإعادة أحكام الإعدام إن حصل على تأييد للتعديلات الدستورية وهو ما يقضي بصورة شبه مؤكدة على مساعي تركيا المستمرة منذ عقود للانضمام للاتحاد الأوروبي الذي يحظر أحكام الإعدام. وكان وضع تركيا كدولة مرشحة للانضمام للاتحاد يكبحها إذ أنه يتطلب خطوات لتحسين سجل حقوق الإنسان والشفافية. وقالت آيسجول كاروسمان أوغلو، وهي معلمة محجبة أوقفت عن العمل ليومين بعد محاولة الانقلاب وأقيلت في سبتمبر إن الانقلاب بات ذريعة للحكومة كي تتخلص من معارضيها. وأضافت أن التصويت "بنعم" سيوسع على الأرجح تلك الحملة وسيعمقها. وتابعت كاروسمان أوغلو البالغة من العمر 45 عاما إن تأييد التعديلات "قد يشيع مناخا يتيح شنق كل المعارضين أو حرمانهم من أية فرصة في الحياة... أسمع أنهم يفتحون سجونا جديدة كثيرة. أظن أنهم سيودعون بها أمثالنا". كانت كاروسمان أوغلو تتحدث في تجمع غير مألوف في اسطنبول الأسبوع الماضي ضم موظفين ممن شملتهم حملة التطهير وأقارب مسجونين تجمعوا للتعبير عن شكاواهم. ورفض الحضور أي صلة لهم بمحاولة الانقلاب وقال البعض إنهم أقيلوا لأسباب لا علاقة لها بارتكاب أي خطأ حقيقي وإنما لمجرد انتمائهم لنقابة اعتبرت مؤيدة لكولن. وكولن نفسه الذي يعيش في بنسلفانيا ينفي ضلوعه في محاولة الانقلاب. وبعد أن كان حليفا لإردوغان يوما باتت شبكته جماعة إرهابية بحسب تصنيف مجلس الأمن القومي التركي قبل شهرين من الانقلاب الفاشل. أما أحمد إركاسلان وهو ضابط أمن سبق وأن أصيب برصاص مسلحين أكراد خلال عملية أمنية في منطقة سور في ديار بكر العام الماضي فقال إنه أقيل من عمله دون إبداء الأسباب مما جعله بين عشية وضحاها إرهابيا بعد أن كان بطل حرب. قال "ما زالت أصوات الرصاص وأنا منبطح على الأرض تتردد بأذني". وهو يعتقد أنه سيكون من الصعب أن يعود إلى عمله مهما كانت نتيجة الاستفتاء. "حتى وإن توقفت الإقالات فلن يوظفوا لديهم أناسا ينتقدونهم".