يبدو أن فشل الانقلاب فى تركيا على الرئيس رجب طيب أردوغان، قد قاد البلاد إلى حالة تشبه الانقلاب، لكنه لا يأتى على دبابة، وإنما بواسطة تيارات الإسلام السياسى التى «تنقلب» على علمانية الدولة، وتؤسس لفاشية دينية مخيفة، تضيع هوية الدولة الحديثة التى أرسى قواعدها مصطفى كمال أتاتورك. ما يقترفه أردوغان حالياً، بعدما أصبح طاووسًا مزهوًا بنفسه، يدق نواقيس الخطر، ويرجح انفجار العنف والعنف المضاد، الأمر الذى يؤكد أن العلمانية كانت الضمانة الوحيدة لأن تبقى تركيا دولة حريات، بها أخطاء وعليها ملاحظات، لكنها فى كل الأحوال لا تنام على برميل بارود، مؤهل للانفجار فى أية لحظة. وأعلن أردوغان أن هدفه هو الاستمرار فى الحكم حتى عام 2017، بعدما بات الجيش التركى تحت قبضته الحكومة تماما ولن يسمع أحد بعد ذلك صوتا للمؤسسة العسكرية التركية المهيبة وجنرالاتها الذين كانت تقشعر لسماع أسمائهم الأبدان. وتواصلت حملة الاعتقالات والإقالات والتوقيفات على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة فى تركيا فيما وسعت الحكومة صلاحيات النيابة العامة فى الحبس ومصادرة الممتلكات دون انتظار قرارات من المحكمة. وفى أوسع حركة تصفية يشهدها الجيش التركى على مدى تاريخه، أصدرت الحكومة التركية قبل ساعات من انعقاد مجلس الشورى العسكرى الأعلى بمقر رئاسة مجلس الوزراء فى أنقرة للمرة الأولى خلافا لما جرت عليه القواعد مرسوما يقضى بإقالة ألف و684 عسكريا من القوات المسلحة، بينهم 87 جنرالا فى القوات البرية، و32 أميرالا فى القوات البحرية، و30 جنرالا فى القوات الجوية بدعوى انتمائهم أو وجود صلات لهم مع ما تسميه الحكومة «منظمة فتح الله كولن الإرهابية». ومن بين المفصولين قائد القوات الجوية السابق أكين أوزتورك، وقائد الجيش الثانى الفريق آدم حدوتى وقائد إدارة التدريب والتعبئة المعنوية الفريق متين إيديل، ورئيس الشئون الإدارية فى رئاسة الأركان الفريق إلهان تالو وآخرون لمشاركتهم فى محاولة الانقلاب الفاشلة. وأعلنت وزارة الدفاع التركية مساء الأربعاء من الأسبوع الماضى تعيين الفريق إسماعيل متين تمال قائدا للجيش الثانى بدلا عن الفريق أول، آدم حدودي، المحبوس على ذمة التحقيق بمحاولة الانقلاب الفاشلة. وقبيل اجتماع مجلس الشورى العسكرى تقدم اثنان من كبار القادة العسكريين فى تركيا باستقالتيهما هما الجنرال إحسان آويار رئيس أركان القوات البرية، والجنرال كامل باش أوغلو رئيس قيادة التدريب، وكلاهما برتبة قائد عام وهى أعلى رتبة عسكرية للجنرالات فى تركيا. وقالت مصادر: إن استقالة الجنرالين الكبيرين جاءت احتجاجا على حملة الاعتقالات الموسعة فى صفوف قادة الجيش عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، التى قالت الحكومة التركية: إن مجموعة صغيرة من العسكريين الموالين لكولن نفذوها. وبلغ عدد الجنرالات الذين سرحتهم الحكومة بموجب المرسوم الصادر مساء الأربعاء 149 جنرالا، وهو ما يعادل تقريبا نصف عدد الجنرالات فى الجيش التركي، الذين يبلغ 358، حيث لم يتبق الآن سوى 209 جنرالات. والتقى الرئيس التركى رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان للمرة الثانية الخميس منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التى وقعت 15 يوليو الجارى. وقال مسئول تركى: إن الرئيس يرغب فى وضع القوات المسلحة والمخابرات الوطنية تحت إمرة رئاسة الجمهورية. ونسبت قنوات تليفزيونية لأردوغان القول إن مثل هذا التغيير سيتطلب تعديلا دستوريا يحتاج لموافقة المعارضة. وبحسب النظام البرلمانى المطبق فى تركيا حاليا تقع القوات المسلحة والمخابرات تحت إمرة الحكومة، ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تدشن جزئيا النظام الرئاسى الذى يسعى أردوغان لتطبيقه ولكن دون صدام مع المعارضة فى الوقت الراهن. وأغلقت السلطات التركية 16 قناة تلفزيونية و3 وكالات أنباء و23 إذاعة و45 صحيفة و15 مجلة و29 دار نشر وتوزيع فى إطار الحملات الأمنية عقب فرض حالة الطوارئ. وتضمنت قائمة القنوات والصحف كل من قنوات باريش وبوجون وجان أرزينجان ودنيا وحراء وإيرماك وكنال 124 وكنال تورك وMC ومهتاب وماركور وسمانيولو وإذاعة سامانيولو الإخبارية وتلفزيونSRT وإذاعة تونة للتسوق وتليفزيون يومورجاك بالإضافة إلى وكالة جيهان للأخبار ووكالة مخابر للأنباء ووكالة SEM الإخبارية. وأصدرت النيابة العامة فى تركيا أوامر باعتقال 47 صحفيا من الموالين للداعية الإسلامى فتح الله كولن الذى تتهمه السلطات بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التى وقعت منتصف يوليو الجارى ضمن حملة اعتقالات وإقالات وتوقيفات واسعة شملت حتى الآن أكثر من 60 ألفا من مؤسسات التعليم والقضاء والوزارات والجيش والإعلام. وجميع الصحفيين الصادرة بحقهم أوامر اعتقال كانوا يعملون فى صحيفة «زمان» المرتبطة بكولن والتى صادرتها السلطات التركية فى 4 مارس الماضى خلال حملة على أنصاره. ووجهت منظمة هيومن رايتس ووتش انتقادات حادة لحملة الاعتقالات الموسعة فى تركيا قائلة إن القرارات الأولى التى دخلت حيز التنفيذ عقب إعلان حالة الطوارئ فى تركيا تهدف لما هو أبعد من مجرد معاقبة المتورطين فى محاولة الانقلاب الدموية مشيرة إلى أن كل المعارضين قد يصبحون أهدافا للسلطة. ووصفت المنظمة فى بيان لها الإجراءات المعمول بها فى أعقاب حالة الطوارئ بالتعسّفية والجائرة كما أوضحت مدير المنظمة فى تركيا إيمى سينكلار ويب أن هذه القرارات تظهر أن جميع المعارضة بعد حركة الخدمة (التى تسميها الحكومة بالكيان الموازى أو تنظيم فتح الله كولن الإرهابى) قد تصبح هدفا للسلطة فى الفترة القادمة. وأكدت المنظمة فى بيانها أن تمديد فترة الاحتجاز إلى 30 يوما بموجب حالة الطوارئ يزيد من احتمالية تعرض المشتبه بهم إلى التعذيب وسوء المعاملة قائلة: «يجب على الحكومة التركية أن تعلم أن الاحتجاز لمدة 30 يومًا لا يمكن تشريعه حتى فى ظل حالة الطوارئ، فحرمان المعتقلين من الالتقاء بمحاميهم يعنى حرمانهم من الدفاع عن أنفسهم». وأضافت: «هذه القرارت الأولية لم تعد تهدف لمحاسبة المتورطين فى محاولة إنقلاب 15 يوليو الدموية. فما يحدث هو عملية تصفية تعسفية بحق موظفى الدولة والقضاة ومدعى العموم». وعلى صعيد الإقالات والوقف عن العمل، قال وزير الخارجية التركى مولود تشاووش أوغلو إن 88 من موظفى الوزارة، بينهم سفيران، سرحوا فى أحدث خطوة ضمن عمليات تطهير أجهزة الدولة ممن يشتبه بأنهم أنصار الداعية فتح الله غولن الذى يتهمه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة. وسرحت السلطات التركية أو أوقفت عن العمل أو بدأت تحقيقات مع عشرات الآلاف فى مؤسسات الدولة بما فى ذلك الوزارات والقوات المسلحة والشرطة للاشتباه بوجود صلات تربطهم بغولن وحركته. كما أعلن وزير الصحة التركى رجب أكداغ، أن الوزارة أبعدت 5 آلاف و581 موظفا بشكل مؤقت عن عملهم، بينهم 115 مديرا وألف و504 أطباء؛ وذلك على خلفية التحقيقات المتعلقة بما يسمى منظمة فتح الله كولن (الكيان الموازي) المتورطة فى محاولة الانقلاب الفاشلة. ووسّعت السلطات من نطاق السلطات الممنوحة لمدعى العموم الذين يتولون تحقيقات محاولة الانقلاب الفاشلة بموجب حالة الطوارئ. ومنح مجلس الوزراء مدعى العموم حق إصدار قرارات الاعتقال ومصادرة الممتلكات طوال فترة الطوارئ الممتدة لثلاثة أشهر دون انتظار قرار من المحكمة.