على بعد أمتار قليلة من غرفة متخمة بأوراق صفراء بالية بمحكمة الأسرة بزنانيرى، وقفت "كريمة" التي تستعد لمغادرة عامها الثامن والخمسين بثيابها السوداء الرثة بجوار ابنتها الطالبة بالمرحلة الثانوية، في انتظار أن يفرغ الموظف من أعماله الكتابية كي تسرد له أسباب طلبها الخلع من زوجها وتقر برفضها الصلح معه،وتنازلها عن جميع حقوقها المالية والشرعية مقابل هذا الطلاق، وخلال ساعات انتظارها الطويلة أخذت الزوجة الخمسينية تسترجع تفاصيل 24 عاما عاشتها تنظر رجلا اعتاد أن يتذكرها كل 4 سنوات. تقول الزوجة الخمسينية فى مستهل روايتها:" 24 عاما لم أر زوجى فيها سوى مرات معدودة ، فمنذ أيام زواجنا الأولى وهو يتركنى ويرحل دون أن يفصح عن وجهته، أو يبعث لى برسالة تطمأنى بأنه لا يزال حيا يرزق، أو حتى يرسل لى مالا يكفينى شر الحاجة، فقط كان يختفى ويتركنى للخوف والحيرة، وطرق أبواب العباد بحثا عن عمل أسد به جوعى وجوع الصغار، ويعيننى على تدبير نفقات البيت، ثم يعود بعد 4 سنوات وكأنه لم يغيب يوما، ولايطلع أحدا عما كان يفعله خلال سنوات اختفائه المفاجئ، مكتفيا بالتعهد بأنه لن يرحل ثانية، ويبدأ فى ممارسة كافة سلطاته كزوج، ثم أفاجىء به يختفى مجددا ضاربا بتعهداته بالبقاء عرض الحائط". تواصل الزوجة التى أكسب الحزن عمرها سنوات إضافية حديثها:"فى البداية قبلت بهذا الوضع خوفا من نظرة شامتة قد أراها فى عين المقربين منى إذا ما حملت لقب مطلقة، وقلت لنفسى من سيتحمل مسئولية تربية 3 أولاد، ومع مرور السنوات غرقت فى دوامة البحث عن لقمة العيش، ونسيت أنى لى زوجا من الأساس، واعتادت على ظهور واختفائه كل 4 سنوات، بل بات ظهوره فى حياتى أنا وأولادى أشبه بالكابوس، فقد كان فظا غليط القلب معهم". تبتسم الزوجة الخمسينية نصف ابتسامة وهى تنهى روايتها:"وبعدما تملك المرض من جسدى، وصرت لا أقوى على الخدمة فى بيوت العباد كى أسد نفقات البيت وأدفع تكاليف تعليم ابنتى كان لزاما على أن ابحث عن مصدر أخر نعيش منه، فقررت أن أخلص من زوجى فلم أعد اطيق انتظاره أكثر من ذلك، كى اتمكن من الحصول على معاش والدى، وبالفعل طرقت أبواب محكمة الأسرة، وأقمت ضده دعوى قضائية وطالبت فيها بتطليقى منه طلقة بائنة للخلع مقابل تنازلي عن كافة حقوقى المادية والشرعية ورد مقدم الصداق المبرم فى عقد الزواج".