داخل غرفة تتحايل على ظلامها بمصابيح إضاءتها باهتة، وجدرانها متساقطة الدهان بمحكمة الأسرة بزنانيرى، وقفت الزوجة التي تستعد لمغادرة عامها ال 24 بثيابها الأنيقة الساترة لجسد يرتجف من الخوف والحزن، في انتظار أن يفرغ الموظف الخمسيني القابع على مقعد خشبي متهالك من أعماله الكتابية كي تسرد له أسباب طلبها الخلع من زوجها وتقر برفضها الصلح معه، وتنازلها عن جميع حقوقها المالية والشرعية مقابل هذا الطلاق، وخلال ساعات انتظارها الطويلة أخذت الزوجة تسترجع تفاصيل 3 سنوات عاشتها مع رجل أذهبت المخدرات عقله وقسمته إلى نصفين، بحسب روايتها. تبدأ الزوجة الشابة روايتها بصوت خافت وكأنها تتحدث إلى نفسها: "لم أتزوجه عن قصة حب، فقد كان زواجا تقليديا وسريعا، حيث رشحني له أحد معارفنا، وقال عنه إنه رجل طيب الخلق والأصل، يعمل مهندس كهرباء وسيوفر لى حياة كريمة ومستقرة، ولأن والدي توفى وتركنى أنا وأمى بمفردنا بلا رجل يحمينا من شرور العالمين، ظنت والدتى أنها تضمن لى الراحة والأمان بتك الزيجة، فتركت دراستى واكتفيت بشهادتى الثانوية لأتزوجته، لكن يبدو أن أمى كانت مخطئة فى ظنها، فمن حسبته سيصون عشرتى ويحفظ كرامتى ويعوضى عن حنان أبى الذى رحل كان مدمنا لمخدرات وسبق وأن تم إيداعه بمصحة لعلاج الإدمان". تعتدل الزوجة فى جلستها وتغمض عينيها البائستين وهى تواصل سرد حكايتها: "وفى لحظات انتشائه كان يقذفنى بسيل من الشتائم والسباب وينهال على بالضرب حتى أنزف دما، وحينما يسترد وعيه يتعجب من الزرقة التى تزين وجهى وجسدى ويتساءل عمن فعل بى هذا؟! لدرجة أننى بت أشعر أنى أعيش مع رجل له شخصيتين، وكلاهما كان يشعرنى بالخوف والقهر، أعترف أننى فكرت فى طلب الطلاق منه، لكن الجميع نصحنى بالصبر عليه لعل حاله ينصلح ويتعافى من إدمانه للمخدرات، فتحملت من أجل الجنين الذى يتحرك فى أحشائى، فلم أكن أريد أن يحرم من حنان أبيه كما حرمت أنا منه،عام كامل وأنا اتلقى اللكمات والضربات والإهانة دن رد". تشيح الزوجة العشرينية بوجهها صوب نافذة زجاجية تقاوم السقوط وهى تقول:"مرت الأيام مع زوجى ثقيلة، ولم يعد يربطنى به سوى كلمات قليلة عن الأكل والملبس ومصروفات البيت، وتفرغت إلى تربية ابنى، بينما انغمس هو فى شد الأنفاس وبلع الأقراص المخدرة، حتى بات لا يقوى على الحركة، وكلما سار خطوة بدا كالذى يتخبط من المس، وفى آخر مرة ضربني طردنى من بيتى فى منتصف الليل دون سبب غير عابئ بتوسلاتى وصرخات الصغير". تحاول الزوجة الشابة جمع شتات نفسها وهى تنهى روايتها: "عدت بعدها إلى بيت أمى وأنا أجر أذيال الخيبة وسردت لها ماحدث معى، وتدخل الوسطاء للإصلاح بيننا لكنه تعدى عليهم بالقول والفعل، ومرعامان وأنا ماكثة فى بيت أهلى أمنى نفسى باليوم الذى يعود فيه زوجى إلى رشده ويتذكر أن له ابن بحاجة إليه، وبعدما يأست من تبدل حاله قررت أن أخلص منه للأبد، وطرقت أبواب محكمة الأسرة، وأقمت ضده دعوى قضائية وطالبت فيها بتطليقى منه طلقة بائنة للخلع مقابل تنازلي عن كافة حقوقى المادية والشرعية ورد مقدم الصداق المبرم فى عقد الزواج".