لعل وعسي أستطيع اقناعك عزيزي القاريء بوجهة نظري بأن ما جاء في "وثيقة تونس للحقوق والحريات" يستحق أن يكون تحت نظر السادة والأساتذة أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد دستورنا المصري الجديد، الذي نتمني أن يأتي عصرياً، سمحاً، وملتزماً بكل حقوق الإنسان.. المتفق، والموقع عليها من دول العالم الأعضاء في الأممالمتحدة. البداية مع المادة الرائعة الخاصة بحرية الإعلام والإبداع، وتأمين الصحفيين والإعلاميين ضد قصف أقلامهم، وتعطيل إصداراتهم، وغلق قنواتهم وحبس بعضهم تأديباً له علي رأي كتبه، أو كلمة قالها، أو نقد قاس نُسب إليه. وثيقة تونس جمعت هذه الحقوق والحريات في مادتها الرابعة بعنوان:"حقوق التمتع بثقافة حقوق الإنسان"، وتنص علي: الحق في الإبداع بكل أشكاله، وحرية نشره، وتوزيعه، دون قيد أو تمييز. الحق في الثقافة للجميع وضرورة اعتبار الثقافة مصلحة عامة. حماية حقوق التأليف والملكية الأدبية والفنية والحفاظ علي الموروث الثقافي الحضاري بمختلف أنواعه. الحق في حرية التفكير والابتكار وحماية المبدعين والمفكرين من شتي الاكراهات. الحق في البحث العلمي والحرية الأكاديمية. الحق في ممارسة الرياضة دون تمييز والحق في التمتع بكافة أشكال الترفيه. الحق في النفاذ إلي المعلومة والوصول إلي المعرفة. واختتمت المادة، الجامعة المانعة، ب : »مطالبة الدولة ومنظمات المجتمع المدني بالعمل علي تنمية هذه الحقوق كلها«. إنها الحقوق التي اكتسبها الإنسان أو يجب أن يكتسبها من خلال إقرارها من حكومة الدولة التي يقيم فيها، والتي وقعت علي اتفاقيتها العالمية ولا تجرؤ علي مخالفتها أو التنكر لها أو حرمان مواطنيها دافعي ضرائب ومرتبات حكامها منها. كما أعتقد.. فإن النص الرابع من المادة (4) من الوثيقة التي تنص علي : »الحق في حرية التفكير والابتكار وحماية المبدعين والمفكرين من شتي الاكراهات«، يمكن الأخذ بها بديلاً عن المادة المائعة في مشروع الدستور المصري، المثير للاعتراضات، والقائلة: »حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن فكره ورأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة وحقوق الغير«. شتان بين ما يطالب التونسيون به في دستورهم الجديد ضماناً لحرية الإعلام والإعلاميين، وبين ما يطالب به بعض السادة أعضاء الجمعية التأسيسية في دستورنا المصري المتوقع. فمادة حرية الإعلام المصري أزعجت كثيرين أبرزهم الدكتور وحيد عبدالمجيد الذي لم يتردد رغم أنه المتحدث الرسمي للجمعية التأسيسية المعنية في تحذيرنا من هذه المادة بالذات، حيث يري فيها »تقييداً محتملاً لحرية الصحافة والرأي والتعبير«. وتفسيراً لاعتراضه، كتب الزميل والكاتب الكبير د.عبدالمجيد، أمس الأول، قائلا في حال الموافقة النهائية علي تلك المادة المقيدة لحرية الإعلام لو حدث هذا.. فسنكون أمام: »نص للمرة الأولي في دستور مصري علي تقنين الحبس في جرائم النشر، مع التوسع في هذه العقوبة المشينة.. بما يتجاوز قانون العقوبات الحالي« (..). فالنص المقترح في الدستور يعيد الحبس في قضايا السب والقذف مثلا بعد أن نجح نضال أصحاب الرأي في إلغائها في القانون. كما يعيد وقف وتعطيل الصحف بغير الطريق الإداري رغم إلغائهما في القانون باعتبارهما من العقوبات الجماعية التي تعاقب من لا ذنب لهم. وإذا استمر هذا الاتجاه فسيكون قانون العقوبات أرقي من دستور الثورة الذي سيصبح في هذه الحالة ردة في مجال الحقوق والحريات العامة«. والحل؟ في تصوري.. أراه بمحاولة إقناع »التأسيسية« بالأخذ بما جاء في الوثيقة التونسية التي استمدها كتابها من دساتير العالم الديمقراطي بديلاً عن تلك المادة العائمة بين أمواج عاتية تهدد الإعلام المصري في مقتل. أما الحل الآخر كما يراه المتحدث باسم »التأسيسية« وأبرز المتخوفين من إقرار نهائي للمادة المقترحة فسأعود إليه بعد غد. نقلاً عن الأخبار