أتري نحن المصريون حالمين غير واقعيين كما يصفنا الغرب هذه الايام، فيقال المصريون يبحثون عن سوبرمان رئيسا لهم خاليا من كل عيوب ..؟ يريدونه قويا وعادلا وشريفا عفيفا، فطنا وصالحا وله اخلاق الفرسان، ينزل الي الشارع ويستمع الي كل الناس وذا قلب رحيم يتسع للغلابة.. يريدوا أن يقولوا أن المصريين يطلبون المستحيل، لان السوبرمان غير متواجد الا في أفلام السينما ولا اثر لمثله في الحياة! ولكنا نحن المصريين ندرك جيدا أن الرئيس الجديد بسبيل ان يقابل مشاكل لم تحدث أن اجتمعت كلها أمام احد في آن واحد من قبل : اقتصاد علي وشك الانهيار. أمن مهزوز. تعليم متهاو . ومستشفيات مفتقدة لأبسط الاحتياجات الاساسية.. بطالة. تضخم أسعار وفساد وشعب تتسع رقعة المهمشين فيه ومن يعيشون عيشة الكفاف اكثر فاكثر مع الوقت ... نحن ندرك كم هي مهمة عصيبة تلك التي تنتظر الرئيس القادم، حتي لربما يكون استعادة الامن وانقاذ الاقتصاد في الداخل، علي أهميتهما القصوي هما أهون نسبيا من تهديد أمن الحدود في سيناء، وهو ما يحتاج في هذه الآونة قبضة فولاذية وتصرفا سريعا يعيد الامور الي نصابها وليبدأ التعمير ... نحن بحاجة الي "معجزة" حسب تعبير الاستاذهيكل .. ورئيس لديه رؤية وقدرة علي ادارة البلاد! لذا أشفق علي الرئيس الجديد لأنه فوق جملة المشاكل الجسام التي سيواجهها سيخوض صراعا مع برلمان لا قاعدة انتخابية فيه لغيرالاخوان .. ليس هذا فقط بل سيخوض صراعا مع غياب دستور دائم واضح المعالم يستطيع ان يدعمه أمام النوايا الاستبدادية لأي أغلبية وهذه طبيعة البشر .. أما لو فاز مرشح الاخوان بالرئاسة فسيكون متمتعا بمنصب الرئاسة وبتأييد بالحكومة ودعم البرلمان معا، اذن ليفعل ما بدا له بالسلطة وبنا ما شاء له..! البداية المبشرة كما شهدناها علي مدي يومي الانتخاب حتي الآن، تدل علي عدوي ما يعرف "بالوعي " السياسي بين الجموع وانتشار هذا الوعي الصحي بين هذا الشعب الذي يزاول حرية الاختيار بهذا النحو لأول مرة في تاريخه .. لهذا يرقب العالم ويسجل التاريخ وربما تدرس هذه التجربة لعلنا نكون اهلا لذلك ... ولا تنسوا فضل وسائل الاتصال الحديث وعصر المعلومات الذي لم يحشد الجموع فقط بل هذا ما أغلق الفجوات بين النخبة والمتعلمين وبين الاميين وادي الي ما يعوض هزال التعليم والوصال بين فئات الناس .. ثم لا تنسوا همزة الوصل وجسر العبور وهو "الاعلام" بشقيه، والمرئي منه قبل المكتوب، حاملا ميكروب الوعي الصحي ينشره بين سائر جموع الناس.. هذا الاعلام الذي تصب عليه اللعنات كل يوم وينتقد وتلصق به كل ألوان الاتهامات يرجع البه فضل تعبئة جموع الشعب .. فلنذكر له افضالا ولو مرة! يحدث كثيرا لمن يعيش الاحداث ويتحول الي جزء منها يكاد يفتقد تاثيرها ولا يدرك ما ادت اليه من تغيير .. ولهذا لا يري البعض منا مدي التغيير الثوري الذي طرأ ويصر علي أنها لم تحقق أهدافها أو بقيت منقوصة ولم تكتمل أو خطفها الغراب وطار .. هذا بينما هو يخلط ما بين تغيير الاوضاع ، وتغيير الثقافة العامة والفكر السائد أي السلوكيات وكلها أمور تستغرق وقتا ... تخيلوا واحدا من الناس وقد راحت عليه نومة أهل الكهف منذ شهر فبراير 2011 ولم يستيقظ الا هذا الاسبوع ليجد مصر كلها وهي تحلق في حالة اثارة عارمة من أقصاها لأدناها وحمي انتخابات للرئاسة تجتاح البلاد ومنافسات دائرة شديدة الوطأة بين مرشحين من شخصيات وتيارات سيفرك عينيه ليتأكد من كونه صاحيا وواعيا فلا هو يحلم ولا في كابوس .. سيسأل عن هذا أو ذاك من شخصيات نام وهي لا تغيب عنها الشمس ويستقصي عن نجوم كانت تسطع في عز النهار ويدرك كيف انقلبت أحوال البلد رأسا علي عقب .. فمثل هذا النائم بطول العام والنصف هوالذي يستطيع ان يدرك اي ثورة شعبية حقيقية هبت علي البلاد فاقتلعت نظاما كان يبدو راسخا متينا ثم بدأ ارساء النظام الجديد .. فمصر أصبح لديها مجلس شعب منتخب كائنا ما يكون ولكنه يتمتع بشرعية انتخاب سليم .. ثم انتخابات تنافسية جارية علي رئاسة لا أحد يعرف الي ماذا ستؤدي اليه نتيجتها وبمن ستأتي وهذا في حد ذاته انجاز كان يوما يمثل الاعجاز ذاته .. ثم شهادة حق لابد من اقرارها للمجلس الاعلي للقوات المسلحة الذي أوفي بعهده بانتقال السلطة في موعدها ولم يتباطأ ولم يؤجل أو يحنث، فلم يمر يوم بدون التشكيك واتهامات التدبير والتخطيط .. انما لا يمكن انكار ان المجلس الاعلي بقي ملتزما بنقل السلطة الي حكومة منتخبة في الموعد المحدد رغم الفرص والاسباب التي كان بالامكان أن يستند اليها للتعطيل .. ربما اوقفت العملية كلها أو قامت بالتأجيل لاجل غير مسمي وقد أتيحت لهم عدة مرات ... لابد من الاعتراف بذلك اولا لالتزامهم بالمواعيد المحددة .. الحملة الانتخابية للرئاسة قد جاءت بمترشحين يمثلون اتجاهات متباينة في الحياة السياسية المصرية تركيبة تجمع بين موسي ومرسي وأبوالفتوح وشفيق وصباحي... هذه الحمي الانتخابية هي الارادة الشعبية التي تسود الشارع المصري وهي اكبر أركان الشرعية التي تغمر من يفوز في السباق ايا من سيكون.. ! يبقي أن نتابع من الآن فصاعدا ان كانت الجموع قد استوعبت لب الديموقراطية: وهو الاحتكام لصندوق الانتخاب واحترام النتيجة مهما تكون مغايرة لما كان كل يريده.. هذه هي الديموقراطية - الليبرالية: اما تقبلها كاملة أو ترفضها علانية وتبحث لك عن طريق آخر ان وجد .. فلا مجال لاخذ جزئية تريدها وتترك جزئية غيرها لم تأت بما تريده علي هواك .. العقل والمنطق يستدعي أن تنغمس في المعارضة المشروعة في الحلبة السياسة وتستعد للانتخابات بعد اربع سنوات! ومن هنا اهمية تداول السلطة فلا احد يجثم علي الشعب بعد الآن فهذه مصدر آفتنا ومبعث كوارثنا جميعا: الانفراد بحكم البلاد وقد زالت هذه الآفة إلي الابد! نقلا عن الاخبار