ربما لا يدري احد اننا دخلنا صراعا بين شركاء في الثورة رغما عن انفسنا، وانا في البداية أؤكد انني لست منتميا إلي أي تيار أو حزب.. انما انا مصري يسعي الي تعميق انتمائه لمصر. والصراع الذي أعنيه بين الشركاء ربما يأتي بما لا يحمد عقباه.. وينتهي بانقلاب عسكري.. تهوي مصر به إلي مصير مجهول.. لان هذا الانقلاب الناتج عن انفلات الاوضاع الامنية وتردي الاحوال المعيشية وانهيار الاعمدة الاقتصادية للدولة اضافة الي ما تشهده ساحة بناء المؤسسات الدستورية من شكوك حول تشكيلها من خلال الاغلبية.. كل هذا يعطي المبرر للاطاحة باي انجاز ديمقراطي بعد ثورة 25 يناير.. التي ما زال يتربص بها المتربصون. قد يري القارئ انني متشائم الي درجة اليأس.. وقد اكون كذلك.. لكن الصراحة تقتضي ان نقرأ المشهد بعناية وما يجري علي الساحة السياسية لم يفسره أحد لنا.. وكذلك لم يتطوع احد من الحكومة او حتي من الخبراء بان يقدم للمواطن حقيقة ما يجري علي الساحة الاقتصادية.. ونفس الشيء حدّث ولا حرج في الشئون الامنية والاجتماعية والعلاقات بين فئات المجتمع الاخطر من وجهة نظري الصراع القادم والذي بدأت إرهاصاته تظهر علي الساحة السياسية.. وهو باختصار صراع بين تيارات علي تقسيم ما يمكن ان نسميه »صراع التورتة« وان كنت اري ان الصراع بدأ منذ بداية الثورة.. لكن جذوره ممتدة قبل الثورة. واذا بحثنا في التيارات التي تتشكل منها الساحة السياسية المصرية.. سنجد في مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين والتي تأسست منذ 90 سنة تقريبا.. وتوغلت في المجتمع لانها تحمل شعار الجهاد ضد الاحتلال الاجنبي وتسعي إلي تربية اسلامية وسطية.. ولها الآن اغلبية نسبية في الشارع.. تصبح مطلقة اذا انضمت اليها التيارات السلفية.. والتي تحظي بقاعدة عريضة لاعتمادها علي صحيح الدين والذي ترجع اصوله الي سيدنا محمد بن عبدالله خاتم الانبياء.. وتتميز جماعة الاخوان عن غيرها من التيارات بنجاح باهر في المنظمات والنقابات المهنية.. وبالجلد والصمود امام ظلم مارسته السلطة ضدهم خاصة بعد ثورة يوليو 1952 مما أكسبهم تعاطف المصريين.. وتحول هذا التعاطف إلي تأييد ظهر مؤخرا في الانتخابات البرلمانية الاخيرة. اما باقي التيارات الاخري.. فيأتي علي رأسها التيار الناصري وهو الجيل الذي ينتمي لثورة يوليو والذي يري ان الفضل فيها يعود الي الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر.. ويؤثر في هذا التيار انقسامه علي نفسه.. وارتداء اكثر من حزب قميص عبدالناصر ولهذا وجد الكثير من الناصريين القدامي والجدد التحالف مع الاخوان في قوائم لخوض الانتخابات البرلمانية.. وليس من عجب في أن الكثير من المعارضين في البرلمان الآن نجحوا علي قوائم الاخوان.. وبمعني ادق بسبب وجودهم علي قوائم الاخوان! ونفس الشيء حدث في قوائم الكتلة المصرية والتي فاز عليها تيارات يسارية او اشتراكية او كانت تسمي تيارات شيوعية.. واخري ليبرالية.. ويبقي حزب الوفد الذي ضم الكثير من النواب القدامي اضافة الي ما انضم اليه من الحزب الوطني المنحل!! هذا المشهد السياسي ينبئ بصراع قوي بين التيارات المختلفة لكن يبقي السؤال: هل هذا الصراع القادم في صالح العملية السياسية؟! يمكن ان ينصهر الصراع ليصبح في خدمة مصر.. ويمكن ان يستمر متأججا ليشعل نار الفتنة.. وللأسف هذا ما أراه من بعض المحسوبين علي الثورة.. من مختلف التيارات.. قد يغفر الشعب لمن يتجاوز بحسن نية.. لكن بالتأكيد لن يغفر لمن يتآمر علي مصر.. وللأسف فإن الكثير من التيارات تخون بعضها.. وبعض فلاسفة التيارات أو من يسمون أنفسهم مرجعيات لهذه التيارات.. يشعلون الفتن بين رموز الثورة صاحبة المليونيات والتي أسقطت النظام البائد الذي كان يتزعمه المخلوع حسني مبارك.. وكنت اتصور ان الزمن تخطي هؤلاء.. ولم تعد مصر في حاجة الي خدمات رموز أنظمة سابقة.. نحن نحتاج فقط الي شباب مصر الذين قاموا بالثورة في وقت كان العجزة، قليلوا الحيلة وعدم القدرة، يلتفون بالأغطية والبطاطين من برودة الجو.. وبخلوا بالدعم المعنوي والمادي للثوار.. حتي تيقنوا من نجاح الثورة فأسرعوا يركبون الموجة.. ولبسوا ثوب الثوار.. والآن هم المفسرون والمحللون .. ويرون ان الشعب اساء الاختيار.. وانساق وراء الشعارات الدينية.. واصبحت الاغلبية للتيار الاسلامي.. ويري هؤلاء ايضا ان هناك خطورة علي مستقبل مصر مع هذا التوجه الذي »يركب الدين« ويلعب علي »الوتر الحساس« للقاعدة المصرية العريضة. ولست هنا محل اختلاف او اتفاق.. او دفاع عن وجهة نظر هذا ضد ذاك.. لكنني أحذر من انزلاق الصراع السياسي الي درك أسفل يعيد مصر الي سياسة الديكتاتورية سواء بإنقلاب عسكري أو بتسلط فئة علي أخري. اذا كان الشعب قد اختار من يمثله.. فلا أتفق مع الذين يفسرون هذا الاختيار بديكتاتورية الديمقراطية!.. فإذا أساء الشعب الاختيار اليوم.. فإنه بالتأكيد لن يسيء الاختيار مستقبلا.. واذا ظهرت ديكتاتورية جديدة.. فانني اؤكد ان شباب الثورة مازالوا في مصر.. وميدان التحرير وميادين الشهداء مازالت قائمة.. لقد تغيرت مصر فعلا وبدأت مرحلة اعادة البناء والهيكلة.. وعلينا ان ننشغل بهذه المرحلة.. ولا ننظر الي الخلف.. وأنصح الخوالف ان يستمروا في بيوتهم ومنتجعاتهم ومزارعهم الريفية التي اغتنموها في ظل عهود اباحت لهم كل شيء في مصر حتي أسرار الدولة! دعاء يريح البال من أقوال الرسول صلي الله عليه وسلم.. »أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق« من قالها ثلاث مرات صباحا ومساء لم يضره شيء. نقلا عن صحيفة الاخبار