لأول مرة أشرع في دق باب موضوع عقدت العزم عليه و بحثت فيه وأعددت ثم أجدني أتحول عنه في اللحظات الأخيرة وكأن دافعا بداخلي يأمرني فأستجيب ... فقد اعددت بحثي هذه المرة عن محرك مشترك قد يكون بين الحركات الاحتجاجية الكبري التي تجري بين أنحاء العالم وتطالب بالتغيير .. أتري المحرك بينها هي تلك السلطات الحاكمة المتحالفة مع مصالح الأموال؟ أم هي الأوضاع المايلة اجتماعيا - اقتصاديا والتي تفيض علي الثراء بالغني الاكثر وتدفع بالفقر إلي القاع ؟ لايمكن ان نتناسي أو نغفل عن دافع الغالبية العظمي من الحشود المليونية - الحقيقية - التي خرجت لشوارع مصر في 25 يناير وما تلاها تلك التي حولت التظاهرة الاحتجاجية الشبابية الي ثورة شعبية حقيقية ..هذه الجموع المليونية خرجت في المقام الأول لفرط أحوالها الاجتماعية التعسة ولا تنسوا هذا في غمار التنافس علي السلطة السياسية .. فالنظام الاقتصادي الفظ الذي يفتقد العدالة الاجتماعية وأتاح للفساد ان يستشري هو المحرك الاول والاهم والمشترك الاعظم الذي تجده بين جميع الحركات الاحتجاجية في المدن الكبري والولايات الامريكية الكبري التي تطلب الآن التغيير ... التظاهرات الاحتجاجية التي هزت اسبانيا واليونان وايطاليا والبرتغال وفرنسا واسرائيل وانتقلت لانجلترا ثم أمريكا ، ماذا تؤدي من معان غير ان النظم الديموقراطية وحدها لا تضمن حقوق الشعوب ولا العدالة الاجتماعية ، بل قد توجد حكومات منتخبة ديموقراطيا وتخذل الشعوب ، أو لا تقدم خدماتها بتوازن بين فئات الجموع .. من هنا وجدت أن من اللياقة أن يتحول هذا البحث ويتوجه الي النخبة المستغرقة لدينا هنا في تطلعات الوصول إلي الحكم في مصر ونحن علي أعتاب أهم انتخابات تجري لدينا في العصر الحديث .. أي اعماق تجمعها حكمة العبارة القائلة " تحدث حتي أراك .." فالأسبوع الاخيرهذا فتح عيوننا علي أمور كأننا نراها أول مرة .. فلا يكشف الانسان مثل حديثه المسترسل خصوصا في لحظات الانفعال ، فلم ادرك قيمة تعدد القنوات الفضائية مثل الايام الاخيرة التي كشفت عما كان سيقدر له أن يخفي عنا من شخصيات كشفت أحاديثها عن خواء رهيب إلا فيما ندر .. فإن كم اللغو وقلة الخبرة والسذاجة السياسية وافتقاد أدني مستويات الفهم الصحيح لأمور الحياة السياسية قد ظهربجلاء علي الملأ وبنحو مخيف بفعل الاحداث التي داهمتنا تباعا في توقيت غريب ! والكارثة عندما تكتشف هذا الخواء بين أشخاص طفوا علي وجه الحياة السياسية علي مراحل شتي ، بل و من يعد نفسه منهم لتولي أرفع المواقع والمسئوليات و.. يا لضيعة وطن لو تحقق ذلك لامثال هؤلاء ، فما سمعناه في الاسبوع الاخيركان منه العجب .. ولا يمكن ان نفوت الآن بعض ملاحظات تقف في الزور فلم تبتلع ولا بزجاجات المياه كاملة ... تلك الملاحظة المتكررة التي تردد مقولة تدل علي مدي تردي الفهم إلي هذا الدرك كمثل ما تسمعه مرارا يردد اهمية الرجوع الي ميدان التحريرقبيل اتخاذ القرار ( اختيار رئيس الحكومة ) الذي لابد من أن يحصل علي موافقة التحرير (!) يقصدون المتواجدين بميدان التحرير مع ان أي من يعقل يدرك أن من بميدان التحرير لا هم بكتلة ، و لا بفريق متجانس ، ولا بذوي مستويات ذهنية مشتركة او حتي متقاربة .. ثم ما لهم من قيادة معروفة يرجع اليها ولا زعامات بقادرة علي اتخاذ قرار ناهيك عن اتفاق علي أشخاص فأي منطق هذا .. ثم تجد من يردد أن ما ينتقص من هذه الثورة هو أن الثوارمن الشباب لم يتولوا السلطة و... ليوازنوا هذا النفاق الرخيص يستشهدون بثورة 23 يوليو ويقولون كانوا شبابا في الثلاثينات من العمر.. فماذا بالله عسي ان تقول لهم الا أنهم لا يدركون ولا يعرفون حتي التاريخ الحديث جدا الذي يشهد ويقرر بعد مرور نصف قرن علي أن لو حدث وعاد هؤلاء الضباط الشبان لثكناتهم بعد انقلابهم العسكري ولم تحل لهم السلطة ، لكانت احوال مصر افضل بكثير جدا مما هي عليه الآن ! بل نحمد الله علي انها هذه المرة ثورة بلا قيادة ولا زعماء ! أما الذي شهدنا عبر الفضائيات من عنجهية الغرور الذي تمكن من بعض عناصر الشباب فحدث .. ويحضرني من بين نعرات الصلف الزاعق واسلوب الحوار الهابط ما تابعناه لحوار في الميدان مع شابة جنحت عن الموضوعية بنحو يجافي أول شروط الحوار وهي الادب ، وانتقلت تتطاول وتسب بكلمة كاذب وكذاب وتكررها مرات في معرض ما يفترض انه رأي لها تجاوزت به حدود اللياقة والادب علي شخص اقل ما يقال فيه انه كبيرفي العمرو المقام .. ربما كانت تمارس الثورية او الديموقراطية كما تفهمها تلك البائسة وقد بقيت أغالب ازدرائي للنهاية لأتعرف علي من تكون وتخيلوا تبين انها " أستاذة " تدرس العلوم السياسية في جامعة خاصة وعريقة أمسك عن ذكرها حتي لا أسيء الي صرح رزئ بمثلها يدرس لطلابها .. ربما الغطرسة وقلة الادب ! أما هؤلاء الذين يرفعون العقيرة مطالبين برحيل هذا ومجيء ذاك فتجد اختياراتهم تدل علي خلط عجيب وعدم فهم وترسيخ لشخصيات في غير مجالها ولا اوانها .. يقولون عشرة شهور و لم يتحقق شيء كأنها مدة تكفي علاجا لما خربته عقود .. ويقولون نريد حكومة انقاذ وطني بينما نحن علي أبواب الانقاذ الحقيقي بعد عدة شهور فقط .. وعجبا لمن ينادون بحكومة انقاذ كأنما ستحقق معجزات ..هذا ان وجد عاقل يقبل بمثل هذه المسئولية المستحيلة الآن .. ولا حتي عبقري زمانه لو وجد يستطيع ان يفعل شيئا ذا قيمة خلال أشهر قلائل وسط هذه المعمعة وبغير ان يكون منتخبا من الشعب ... ناهيك عن فراغ السلطة الخطير الذي يمكن ان يتركه وراءه المجلس العسكري لو قرر أن يستجيب لمن يزعقون في ميدان التحرير يطالبونه بأن يترك المسئولية ويتخلي عنها وفي الحال ! أي حال بالذمة والضمير أيتركونها لشراذم تتحرك وتتلمظ علي السلطة فلا انتخبها شعب ولا عرف كنهها أحد غيرأنها تتطلع للحكم ... ما يغيظ حقا ويثير الظنون أننا نكاد نصل الي عتبات المستقر ، ومع ذلك نبدو كمن يتلكك ولا يريد احتمال بضعة شهور اخري تمر بسلام و نبدأ الطريق الصحيح ... أفيقوا واتقوا الله في هذا الوطن !