قالت الولاياتالمتحدة يوم الثلاثاء إنها منزعجة للغاية من العداء الذي أبداه الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي لها بعد توقيع الاتفاق النووي بينما سعى وزيرا خارجية البلدين لتهدئة المعارضة للاتفاق من ساسة متعصبين بالداخل. وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن الخطاب الذي ألقاه خامنئي يوم السبت وتوعد خلاله بتحدي السياسات الأمريكية في المنطقة رغم الاتفاق الذي أبرمته إيران مع القوى الدولية بشأن برنامجها النووي "مزعج للغاية". وقال كيري في مقابلة مع قناة العربية التلفزيونية أذاعت القناة مقتطفات منها يوم الثلاثاء "لا أعرف كيف أفسر ذلك في مثل هذا الوقت سوى بالتعامل مع ما يبدو في ظاهره.. بأن هذه هي سياسته." وتابع "لكني أعرف أنه عادة ما تتطور الأمور بشكل مختلف عن التصريحات التي تصدر في العلن. إذا كانت هذه هي السياسة فهذا أمر مزعج ومقلق للغاية." وقال خامنئي لأنصاره يوم السبت إن السياسات الأمريكية في المنطقة تختلف "180 درجة" مع سياسات إيران وذلك في خطاب ألقاه في مسجد بطهران وسط هتافات "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل". وبموجب الاتفاق الذي أبرم في فيينا الأسبوع الماضي ستفرض قيود طويلة الأجل على برنامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات التي فرضتها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والأممالمتحدة عن طهران. ووقع الاتفاق بين إيرانوالولاياتالمتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي. ويمثل الاتفاق انجازا سياسيا كبيرا للرئيسين الأمريكي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني لكن يتعين عليهما أن يقنعا به المحافظين أصحاب النفوذ في البلدين اللذين سادت بينهما العداوة لعقود ويصفان بعضهما البعض بألقاب من بينها "الشيطان الأكبر" والعضو في "محور الشر". وفيما يتعلق بإيران ينبغي أن ينال الاتفاق موافقة نهائية من مجلس الأمن القومي ثم خامنئي الذي امتنع حتى الآن عن إصدار حكم نهائي في الوقت الذي قال فيه إنه ينبغي إخضاع نص الاتفاق للتدقيق. أما في الولاياتالمتحدة فقد اصطف الجمهوريون الذين يهيمنون على الكونجرس ضد الاتفاق لكن أوباما يقول إنه سيستخدم حق النقض للتصدي لأي رفض من الكونجرس. كما عهد إلى كيري أيضا بمهمة إقناع حلفاء أمريكا المتشككين في المنطقة بالاتفاق. وتعارض إسرائيل الاتفاق بشكل قاطع بينما تنتاب حلفاء سنة مثل السعودية شكوك في أن الاتفاق يصب في صالح غريمتهم الشيعية التي يتهمونها بإشعال الصراع الطائفي في المنطقة. وقال عبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي إن خطاب خامنئي تضمن "إشارات توحي باستمرار إيران في التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية." وأضاف في تعليقات نقلتها عنه وكالة الأنباء السعودية إن تلك التصريحات "لا تساعد على بناء الثقة لعلاقات تعاون تقوم على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية." ووصف دوري جولد مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية معارضة إسرائيل للاتفاق بأنها "خلاف كبير" مع واشنطن حول "ركيزة أساسية للسياسة الخارجية" لكنه في نفس الوقت سعى للتهوين من شأن الخلاف مع أقرب حليف لإسرائيل. وقال "كل ما يمكن أن تفعله في هذه المواقف أن تقول وجهة نظرك .. أن تقول الحقيقة" مضيفا أنه يجب التعامل مع الخلاف "بطريقة حذرة للغاية" و"باحترام متبادل". * ظريف يدافع عن الاتفاق وكانت كراهية الولاياتالمتحدة واحدة من المبادئ الرئيسية للنظام السياسي القائم في إيران منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979. لكن سكان إيران البالغ عددهم نحو 80 مليون نسمة انتخبوا روحاني بأغلبية ساحقة في 2013 بعدما تعهد بإنهاء العزلة الدبلوماسية للبلاد. ودافع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف - الذي طور علاقات دافئة مع كيري خلال المحادثات المباشرة غير المسبوقة التي استغرقت أسابيع - عن الاتفاق أمام البرلمان الذي يغلب عليه المحافظون. وقال إن أغلب شروط بلاده قد استوفيت بما في ذلك "الخطوط الحمراء" التي حددها خامنئي. وقال ظريف "نحن لا نقول إن الاتفاق بالكامل في صالح إيران. فأي مفاوضات فيها الأخذ والعطاء. وبكل تأكيد أبدينا بعض المرونة." وأضاف "أقول لكم كما قلت للزعيم الأعلى إننا بذلنا أقصى ما في وسعنا للحفاظ على أغلب الخطوط الحمراء إن لم يكن كلها". لكن الحرس الثوري الإيراني ومحافظين آخرين بدأوا في انتقاد الاتفاق بشكل مباشر وهاجموا قرارا أقره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الاثنين يتبنى الاتفاق. وربما يحاولون إقناع خامنئي برفض الاتفاق بالقول إنه انتهك الخطوط الحمراء التي حددها ولا سيما البنود التي تبقي على القيود السارية على نشاط إيران في تطوير الصواريخ البالستية ومشترياتها من السلاح من الخارج. وقال ظريف للنواب إن قرار الأممالمتحدة اقتصر على تقييد تطوير الصواريخ المصممة لحمل رؤوس نووية وأضاف أن هذا لن يؤثر على برنامج الصواريخ الإيراني لأن إيران ليس لديها برنامج لتطوير صواريخ نووية. ونقلت وكالة تسنيم للأنباء عن محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري قوله يوم الاثنين إن "بعض بنود مشروع (القرار) تجاوزت بوضوح الخطوط الحمراء التي رسمتها الجمهورية الإسلامية خاصة ما يتعلق منها بالقدرات العسكرية لإيران." وكسر علي أكبر ولايتي وهو مستشار كبير لخامنئي للشؤون الخارجية صمتا طويلا يوم الثلاثاء وقال إن الاتفاق "لا يخلو من الأخطاء" لكنه لم يرفضه بشكل قاطع. ونقل موقع الزعيم الأعلى على الانترنت عن أكبر ولايتي قوله "لا أحد يمكنه أن يحدد لنا أي الأسلحة نمتلك .. وباستثناء الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل ستواصل إيران صنع كل أنواع الصواريخ والطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع المضادة للصواريخ والدبابات وغيرها من المعدات المدرعة التي تحتاجها." *أعمال كالمعتاد؟ ويدفع احتمال رفع العقوبات الشركات لوضع خطط للعودة إلى إيران. وفي باريس قال لوران فابيوس الذي سيكون الأسبوع القادم أول وزير خارجية فرنسي يزور إيران في 12 عاما إن موقف فرنسا الصارم من إيران خلال المفاوضات النووية لن يضر شركاتها عندما تعود لإيران بعد رفع العقوبات. وقال فابيوس في تصريحات لإذاعة فرنسا الدولية "صحيح أن فرنسا كانت صارمة للغاية... هل ستتم معاقبة الشركات الفرنسية؟ إجابتي هي لا.. لأنه في الماضي كان لنا وجود مهم في إيران. ما لنا (من خبرة) في الكثير من المجالات ممتاز والإيرانيون جادون. أنتم تعرفون السياسة الخارجية وأعتقد أنكم لا تخسرون شيئا من احترام الآخرين لكم." وكانت شركات فرنسية مثل بيجو لصناعة السيارات وتوتال النفطية من كبار اللاعبين في السوق الإيرانية قبل أن تفرض الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على طهران عام 2011. وسيسافر فابيوس إلى إيران دون أن ترافقه بعثة من قادة الأعمال على عكس وزير الاقتصاد الألماني سيجمار جابرييل الذي اصطحب معه وفدا تجاريا كبيرا إلى إيران يوم الأحد ليكون أول مسؤول غربي كبير يزور البلاد بعد التوصل للاتفاق. وأثارت السرعة التي تمت بها الزيارة بعض الانتقادات الداخلية. وقال باول زيمياك رئيس جناح الشباب في التكتل المحافظ الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال زيارة لإسرائيل "رغبة وزير الاقتصاد الألماني في استكشاف فرص الأعمال للشركات الألمانية بعد أيام قليلة من الاتفاق النووي إشارة خطيرة للمنطقة." وأضاف "انزعج شركاؤنا الإسرائيليون إزاء مدى سهولة التغاضي عن الأزمات والدور المثير للمشكلات الذي تلعبه إيران في المنطقة."