تثور تساؤلات حول ما إذا كان بوتين يتنازل ويسترضى المخابرات على حساب إرادته الخاصة . تصاعد الخصومة مع بعض القوى المناوئة لجهاز المخابرات مثل الرئيس الشيشانى رمضان قديروف . تعيين ثمانية من كبار مسئولى جهاز المخابرات فى مناصب على رأسهم أوليج سيرومولوتوف نائبا لوزير الخارجية . يشرف على سياسات الكريملين تجاه الأقليات العرقية عدد من المسئولين الموالين لجهاز الأمن الفيدرالى . ابن الرئيس السابق لجهاز الأمن الفيدرالى رئيس مجلس الأمن الروسى الحالى عين ضمن مديرى شركة جازبروم . اختفاء بوتين جاء بعد شائعة محاولاته تهميش جهاز الأمن الفيدرالى لصالح وزارة الداخلية ووحدة المخابرات الشيشانية
على مدار الأسابيع القليلة الماضية شهدت الحكومة الروسية حركة تغييرات تشى بأن جهاز الأمن الفيدرالى "المخابرات" يوسع نفوذه. يأتى هذا بعدما خاض جهاز المخابرات نفسه عددا من المواجهات بما فيها عملية تطهير داخل الجهاز وتمدد نفوذ وزارة الداخلية المنافسة له وتصاعد الخصومة مع بعض القوى المناوئة للجهاز مثل الرئيس الشيشانى رمضان قديروف وفى العادة كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يلعب دور الحكم بين جهاز المخابرات وخصومه ومع ذلك فبينما تزيد الأزمة الاقتصادية الروسية من حدة المنافسات بين نخب السلطة فى روسيا تثور تساؤلات حول ما إذا كان بوتين يتنازل ويسترضى المخابرات على حساب إرادته الخاصة.
على مدار الأسابيع القليلة الماضية تم تعيين ثمانية من كبار مسئولى جهاز المخابرات فى مناصب حساسة. فتم تعيين مدير إدارة مكافحة التجسس أوليج سيرومولوتوف نائبا لوزير الخارجية فى 19 مارس الماضى وتكليفه بإدارة عمليات مكافحة الإرهاب. وترجع أهمية تلك الخطوة إلى عدة أسباب. فنادرا ما يتم تعيين مسئولى جهاز الأمن الفيدرالى فى مناصب حساسة بوزارة الخارجية. وقد جرت العادة على أن يركز جهاز الأمن الفيدرالى (FSB) على جمع المعلومات داخل البلاد بينما يختص جهاز الاستخبارات الخارجية بأمور السياسة الدولية ويمارس نفوذا على وزارة الخارجية وإلى أن تم تعيين سيرومولوتوف فى الخارجية لم يكن نواب وزير الخارجية يأتون من أجهزة مكافحة التجسس. ومع ذلك فلسيرومولوتوف خبرة فى هذا المجال حيث كان يشغل منصبا أمنيا هاما إبان استضافة روسيا لأوليمبياد الشتاء فى 2014. شئون الجنسية عندما تم تعيين النائب بالبرلمان الروسى (مجلس الدوما) والكولونيل بجهاز الأمن الفيدرالى إيجور بارينوف مديرا للوكالة الفيدرالية لشئون الجنسية والمؤسسة حديثا كان هو ثانى مسئول من جهاز الأمن الفيدرالى يتم تعيينه فى موقع قيادى بإدارة جديدة. وبينما لا نعرف على وجه التحديد دور هذه الوكالة الجديدة إلا أنه من المعروف أنها تقع تحت الإشراف المباشر للرئاسة. وداخل الوكالة يشرف على سياسات الكريملين تجاه الأقليات العرقية عدد من المسئولين الموالين لجهاز الأمن الفيدرالى مثل النائب الأول لرئيس الأركان فياتشيسلاف فولودين والرئيس الداغستانى السابق ماجوميدسلام ماجوميدوف. من المحتمل أن يكون تصعيد هذين المسئولين - سيرومولوتوف وبارينوف - نتاج محاولة من جهاز الأمن الفيدرالى لممارسة النفوذ فى مسائل الجنسية والأعراق التى تتصل أحيانا بشئون مكافحة الإرهاب. كما يحتمل أن يكون أمرا ذا صلة بالصراع الشرس بين جهاز الأمن الفيدرالى والرئيس الشيشانى قديروف الذى لطالما قاوم نفوذ الجهاز فى الشيشان. وحتى الآن تبدو جهود قديروف ناجحة، فلا تستطيع المخابرات الروسية ممارسة النفوذ على الكتائب الشيشانية القوية التى يبلغ قوامها 40000 فرد. وإلى جانب ذلك فإن معظم الشيشانيين الذين يعيشون فى أنحاء روسيا - خاصة موسكو - هم من الموالين لقديروف. من المحتمل أن يكون تصعيد بارينوف محاولة من المخابرات لتعزيز قدرتها على الإشراف على مسائل الجنسية والأعراق وأن يكون تصعيد سيرومولوتوف محاولة لمراقبة صلات قديروف السياسية والمالية بالخارج. النفوذ الاقتصادي يحاول جهاز المخابرات الروسى أيضا مد نفوذه إلى قطاع الطاقة الروسى من خلال تعيين أندريه باتروشيف ابن الرئيس السابق لجهاز الأمن الفيدرالى ورئيس مجلس الأمن الروسى الحالى نيكولاى باتروشيف ضمن هيئة مديرى شركة جازبروم نيفت وهى شركة البترول التابعة لمؤسسة جازبروم العملاقة. ولمدة تربو على عشر سنوات سعى بوتين لإبقاء شركتى روزنيفت وجازبروم شركتين منفصلتين للحفاظ على توازن القوى بين المجموعات المتنافسة فى الكريملين. وقد سعت شركة روزنيفت برئاسة المسئول بالمخابرات إيجور سخين لممارسة النفوذ على شركة جازبروم التى يشرف عليها الجناح الليبرالى بزعامة رئيس الوزراء ديمترى ميدفيديف. وفيما مضى نجح جهاز الأمن الفيدرالى فى اختراق شركة جازبروم من خلال تعيين عدد من عناصره فى مناصب ثانوية وهامشية بالشركة. وبتعيين باتروشيف فى هيئة مديرى الشركة عزز جهاز المخابرات نفوذه فى قطاع الطاقة الروسى. اختفاء بوتين وتثير تلك التعيينات تساؤلات حول ما إذا كان بوتين يقوم بها بمحض إرادته أم تحت ضغط من المخابرات. حتى الآن لم تظهر أسباب منطقية لاختفاء بوتين المفاجئ لمدة 10 أيام فى مارس الماضى، ولكن اختفاءه المفاجئ هذا حدث بعد شهور من انتشار شائعات بشأن محاولاته لتهميش جهاز الأمن الفيدرالى لصالح منافسيه مثل وزارة الداخلية ووحدة المخابرات الشيشانية الأمر الذى من شأنه أن يخل بتوازن القوى بين أجهزة الأمن المتنافسة. كما أن اختفاء بوتين المفاجئ حدث فى وقت تصاعدت فيه حدة التوتر بين جهاز الأمن الفيدرالى وقديروف ربما لأسباب تتصل باغتيال القيادى الروسى المعارض نيمتسوف حيث تنتشر نغمة خافتة تتهم قديروف بتدبير اغتياله.
فى الوقت ذاته تساعد الأزمة الأوكرانية على تعزيز نفوذ النخب الأمنية المتشددة فى روسيا والتى ترى أنه من الواجب أن تكون الدولة أكثر قدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتى وأقل اضطرارا للتعاون مع الغرب. فى كلتا الحالتين تسعى المخابرات الروسية لزيادة نفوذها رغم أنه ليس واضحا ما إذا كانت تفعل ذلك بدعم من بوتين أم رغما عنه.