يوم الخميس الماضي نشرت صيحفة "هآرتس" الإسرائيلية خبر ايقاف ضخ الغاز المصري إلى دولة الكيان الصهيوني،وابلاغ وزارة البترول المصرية لشركة التصدير الوسيطة بالقرار، وسببه هو تخلف إسرائيل عن دفع مستحقاتها المالية منذ 4 أشهر. في اليوم نفسه ردت الحكومة الإسرائيلية سريعا بقرارين الأول: تحذير من الموساد لكل الرعايا الإسرائليين المتواجدين في سيناء بمغادرتها فورا خشية تعرضهم لأعمال ارهابية، والثاني:بحث السبل القانونية "لاجبار"مصر على الاستمرار في تصدير الغاز عبر اللجوء إلى التحكيم الدولي . 72 ساعة كاملة لم يعرف المصريون شيئا عن القرار أو تداعياته،إلى ان خرج رئيس شركة البترول المصرية مساء أمس الأحد ليعلن تحت ضغط وسائل الإعلام صحة الخبر. بداية نحن نرحب بايقاف مد العدو الصهيوني بالغاز، الذي كان مطلبا شعبيا نادت به كل القوى الوطنية، وصم نظام مبارك آذانه عنه، وضرب عرض الحائط بحكم المحكمة الإدارية التاريخي بايقاف ضخه معتبرا انه قرار سيادي، ثم اعتبره الجنرال عمر سليمان نقطة في مصلحته عندما حاول الضحك على "ذقون البسطاء"بايهامهم ان 40 % من كهرباء إسرائيل تحت ايدينا، واتضح انها مجرد أوهام وأكاذيب في عقل سليمان بعد إعلان إسرائيل قدرتها على تصدير الغاز لدول الجوارما يهمنا الآن هو آلية التعامل مع القرار في كلا البلدين، والتي تؤكد بوضوح ان الإسرائليين احترموا حق المواطن الإسرائيلي في المعرفة وأخبروه بالقرار فور صدوره، ثم واجهوه فورا بمحاولة ضرب السياحة المصرية بالطلب من الإسرائيلين مغادرة سيناء لايهام العالم انها منطقة خطر وبؤرة ارهاب، ثم حديثهم عن التحكيم الدولي لتكبيد مصر خسائر مادية فادحة، ثم بدء حملة إعلامية ضخمة للضغط على مصر لاثنائها عن قرارها باعتبار انه يقوض عملية السلام، وينبئ بتطورات غير مرضية في المستقبل. لكن في مصر، تعامل المسئولون مع القرار"بميراث العبيد"، وهذه نقطة تحتاج إلى بعض التفصيل. بعد قرون طويلة من الرق والعبودية تكوّنت في عقلية العبيد ثقافة السمع والطاعة التي غذتها حركات الإسلام السياسي لضمان ابقاء القرار الاستراتيجي "تحت السيطرة"، واستخدم "السادة" ضد العبيد أقصى أنواع التنكيل البدني والنفسي لاخراجهم من حالتهم الإنسانية وادخالهم إلى حالة حيوانية، يعطلون فيها عقولهم أو يفقدونها لتنفيذ الأوامر، تماما كما استخدام قادة التيارات المتأسلمة سياسة الارهاب العقائدي لاخافة الاتباع من غضب الله في حالة معصيتهم باعتبارهم منفذين لشرعه، وبفعل هذا الميراث الفاشي ورث معظم المصريين – حتى بعد الغاء الرق- ما يمكن تسميته ثقافة العبيد، فبقي جزء كبير من البسطاء والأميين والمخدوعين بلحى المتأسلمين ينفذون الأوامر من دون مناقشة، تماما كما بقى المسئولون ينتظرون دوما تعليمات "السيد" المسئول الاكبر،الذي ينتظر بدوره توجيهات الوزير القادمة من رئس الوزراء شفاهة أو مكتوبة، والذي ينقلها عن "السيد" الرئيس، فتحول معظم مسئولينا إلى عبيد مأمورين لعبيد مأمورين. ميراث العبيد وحده هو القادر على تفسير اخفاء هذا الخبر المفرح عن الشعب المصري، لانه إذا كان قرارا "سياسيا" فمن شأنه ان يعيد بعضا من شعبية المجلس العسكري المرتبك أو الحكومة المرتعشة، ويصبح ورقة ضغط لمصلحتهم ضد خصومهم، وإذا كان قرارا "تجاريا" كما قال "المسئول البترولي" فان إعلانه من مصر كان سيطمئننا إلى ان مسئولينا يحمون ويحفظون حقوقنا المادية، لان إسرائيل لم تدفع ثمن الغاز منذ 4 اشهر، وإذا كان قرارا "مخابراتيا"سببه فقدان السيطرة الأمنية على خط الغاز الذي تعرض ل14تفجيرا منذ الثورة وحتى الان، فانه أيضا يستحق الإعلان لطمأنة المصريين بان أجهزتهم الأمنية لا تغفل ولا تنام. لكن شيئا من هذا لم يحدث، واكتفى المسئول البترولي "المأمور" بابلاغ القرار إلى الشركة المصدرة بعد ان أمره بذلك "مأمور آخر"، نفذ تعليمات "مأمور أكبر" اتخذها بناء على توجيهات "مأمور أعلى" ان ميراث العبيد هو أخطر ما يواجه الأمة المصرية في هذه اللحظات التاريخية التي تتطلب أكبر قدر من الخيال والشفافية والجسارة في اقتحام المشاكل، فمصر تحتاج إلى مسئول سيد وليس مأمورا. .