من يتتبع دور الأزهر في الفترة الأخيرة برئاسة الشيخ أحمد الطيب ولقاءاته المختلفة بسياسيين ووفودا برلمانية وشعبية وشخصيات عامة سواء داخل مصر أو من مختلف دول العالم ، يرى بعدا آخر سياسي وراء نشاط شيخ الأزهر ومعاونيه. واتفقنا أو اختلفنا حول جواز وشرعية لعب دور سياسي إلا أنه من المؤكد أن التاريخ لم يغفل ذلك. فتاريخ مؤسسة الأزهر تخفي في طياتها كثيرا من الحقائق التاريخية التى لا يعرفها الكثيرون ، فالأزهر بلغ شأنا عظيما إبان تاريخه في ميدان المعارضة السياسية والإصلاح السياسي والاجتماعي وقيادة الثورات والانتفاضات التي شهدتها مصر. وظل الأزهر قلعة الإسلام الحصينة عبر عشرة قرون وكان الجامع الأزهر منارة تمثل الدعوة والعمل السياسي وقد ظل صرحاً شامخاً يتميز بالوسطية والاعتدال في الفكر والثقافة. كان الأزهر يمثل العمل السياسي في عصر المماليك والدولة العثمانية حتي بداية عصر محمد علي باشا الذي ألغي دوره السياسي فترة من الزمن الا ان الأزهر ظل يقاوم كل أشكال القمع ودخل فترة مقاومة الاحتلال فاستطاع الأزهريون مقاومة الحملة الفرنسية ثم مقاومة الإنجليز وكان لهم دور أيام ثورة 1919 ومساندة سعد زغلول، وكان له دوره الرائد في بعث النهضة الإسلامية في الجزائر. التاريخ وحده لا يكفي للحديث عن تاريخ مشايخ الأزهر الذين عملوا بالسياسة ونشطاء تلك المؤسسة الدينية الذين تواصلوا مع الثوار وكلمة الحق التي ناصروها داخل مصر وخارجها. فالآن، المشهد يكشف عودة الأزهر لدوره في المنطقة ، ربما التحرك يسير ببطء أو يمكن وصفه بالهدوء دون كلام كثير أو دعاية إعلامية . ولعل لقاءات شيخ الأزهر احمد الطيب بوفود دول عربية وأوروبية عقب ثورة 30 يونيو وحتى الأيام الماضية تكشف عن دور سياسي بدأت المؤسسة الشريفة تلعبه لتضع حدا لممارسات دول وجماعات تدفع بعناصر منحرفة لزرع الفتن والصراعات بين أبناء الوطن الواحد، وليست سوريا والعراق واليمن وليبيا ببعيدة عن أهداف الجماعات الإرهابية التي طالت يدها روح السلام والمودة والتعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد. دور الأزهر في دول المحيط العربي لم يعد قاصرا على التعليم الديني الأزهري فقط بل امتد ليكون ذو بعد سياسي. مؤخرا استقبل شيخ الأزهر سفير مصر الجديد لدى الجمهورية اليمنية الشقيقة الدكتور يوسف الشرقاوي، كان لهذا الخبر وقع استغراب فور قراءتي هذا العنوان إلا أن البعد السياسي كان وراء هذه المقابلة. فلا شيخ الأزهر ولا السفير المصري أعلنا عن هذا صراحة إلا أن تفاصيل اللقاء كشفت عن رغبة السفير التعرف على وجهة نظر الإمام الأكبر، ورؤيته للعمل على دفع العلاقات الثنائية بين مصر واليمن في كافة المجالات. حقيقي أن رغبة السفير المعلن عنها موقف محترم من رجل يريد أن يتزود بأطر تعاون لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين ، لكن واضح من وراء هذا اللقاء أن هناك استراتيجية جديدة ليحل الأزهر مساحة أكبر في العلاقات السياسية الخارجية ، وهو الدور الذي تلعبه مؤسسة الأزهر وخريجوها ومشايخها ، كسفراء لمصر ، وقبلا للدين الإسلامي السمح. وهنا، سفير مصر الجديد لدى اليمن أراد أن يحمل استراتيجية جديدة يتعاون فيها الأزهر لتحمل هذه المؤسسة العريقة جزءا من الملف المصري في العلاقات اليمنية للتقريب بين أبناء الشعب اليمني الشقيق. لبنان أيضا ليست بعيدة عن دور سياسي تعد مؤسسة الأزهر للعبه ، فكان لقاء شيخ الأزهر برئيس وزراء لبنان الأسبق ورئيس كتلة تيار المستقبل فؤاد السنيورة، ليس ببعيد عن العمل السياسي لوأد الفتنة السنية الشيعية في لبنان. وأتمنى أن يؤدي الأزهر دورا قويا في هذه القضية التي لا تؤرق أبناء الشعب اللبناني فحسب بل تقلق المنطقة بأكملها. فتكرار سيناريو الحرب الأهلية اللبنانية لا يجب أن يتكرر مرة أخرى. المتأمل لتصريحات ومواقف هذه المؤسسة يوقن أن الأزهر لا يبحث عن دور سياسي، وإنما يؤدي واجبه الشرعي والوطني والدستوري، فعلى المستوى الديني فالأزهر ليس سلطة منع ولا حظر ولا هو سلطة دينية، وإنما مؤسسة وجامعة تبين حكم الشرع في مختلف القضايا التي تُستفتى فيها. ولعل تحركات مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء ورابطة خريجي الأزهر العالمية نحو مواجهة الفكر التكفيري على مستوى العالم، ومبادرة مشايخ مصر الأزهريون نحو إلغاء مسمى الدولة الإسلامية الذي يتم إطلاقه على التنظيم الإرهابي المعروف باسم "داعش" يشكل خطوة مهمة من خطوات سياسة مصر الخارجية، لمواجهة هذا التنظيم الإرهابي وتشويه صورة مصر والعرب والمسلمين بل والدين الإسلامي، وهي ذاتها حملة التشويه التي بدأت قبل 13 عاما عقب استهداف برج التجارة العالمي بنيويورك في 11 سبتمبر 2001م. دور الأزهر الآن يجب أن يتحرى لم الشمل والابتعاد عن كل ما يثير الفتن ويشق الصف ويهدد السلام المجتمعي وضرورة تسليط الضوء على المشاكل الواقعية التي تواجه المواطن في حياته ومعيشته، وهذا الدور ليس مقصورا على الوطن في الداخل لكن في الخارج أيضا - فهو دور منوط بالأحزاب السياسية القيام به لكن قدر الأزهر أن يحمل هذا العبء بل والواجب التاريخي تجاه المجتمع. مرة أخرى نقولها لمن يريدون أن يبتعد الأزهر عن السياسة ودوره الوطني .. نقول .. إن الأزهر لا يتدخل في السياسة فهو يميز بين العمل السياسي والوطني ، ودوره أن يجمع السياسيين في الأمور المهمة ويحاول الوصول إلى توافق حول مصلحة الوطن العليا.. فهو يتعامل مع السياسيين من كافة الأقطار العربية لأنه الجامعة الأكاديمية للإسلام الوسطي المعتدل.. ولنحكم على النتائج مهما اختلفنا حول هذه المسألة بقاعدة أن مشايخ السياسة هم من يجمعون ولا يفرقون.