عندما أسلم ولامس الإيمان قلبه عاهد الله على الجهاد في سبيله لإعلاء راية الإسلام. إنه الصحابي الجليل سماك بن خرشة .. والمعروف بأبي دجانة عُرف رضي الله عنه في المعارك بعصابته الحمراء التي اذا ربطها هبت رياح الموت في كل مكان .. فأصبح مميزاً بها إلى جانب فروسيته وشجاعته التي أخدها هو وأصحابه من مدرسة النبوة. وقد شهد رضي الله عنه بدراً و أحُداً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ففي أحُد أخد رسول الله سيفه فقال: من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام أبو دجانة فقال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه فأعطاه إياه رسول الله بعد أن منعه عن الزبير بن العوام الذي قرر أن يراقبه لينظر ما سيصنع .. ليعرف سبب تفضيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم له عليه. فأخرج أبو دجانة عصابته وربط بها رأسه .. وانطلق في صفوف المشركين .. فجعل لا يلقى أحداً إلا قتله. حتى انتهى إلى قائدة نسوة قريش وهو لا يدري بها .. وكانت تلك المرأة هي هند بنت عتبة .. فرفع سيفه ليضربها .. فلم صرخت عرف انها امرأة .. فكف عنها ولم يضربها لأنه أبى أن يضرب إمراة بسيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد ثبت عنه أيضا يوم أحد أنه وقى ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى امتلأ ظهره بالنبال. شهد أبو دجانة الغزوات النبوية كلها .. وفي غزوة بني النضير .. حاصر المسلمون اليهود فاعتصموا بحصونهم ..فلما اشتد الحصار عليهم .. اتفقوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الجلاء .. فخرجوا وتركوا ورائهم مغانم كثيرة للمسلمين. ولما أخذ المسلمون المغانم دون حرب فكانت فيئاً من حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتصرف فيها كيف يشاء .. فقسمها علي المهاجرين دون الأنصار .. فأغنى الله المهاجرين وأزال حاجتهم وفاقتهم .. ولم يأخذ من الأنصار إلا أبو دجانة و اثنين آخرين لأنهم اشتكوا من الفقر. كما شارك رضي الله عنه في غزوة خيبر. ويوم حنين كان لأبي دجانة مواقف لا تنسى .. فقد كان رجل من بنى هوزان يركب على جمل أحمر ومعه رمح طويل .. وقد أكثر فى المسلمين القتل .. فثبت له أبو دجانة وعرقب جمله .. وجاء علي بن أبي طالب وقطع يد المشرك وقطع أبو دجانة يده الأخرى ثم قتلاه. ولما توفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حزن أبو دجانة حزناً شديداً وضاقت عليه الدنيا بما فيها. و ظل أبو دجانة يبحث عن الشهادة و أطلق العنان لسيفه لحرب أعداء الله .. إلى أن جاءت معركة اليمامة فكانت معركة عصيبة. فقد أرسل أبو بكر رضي الله عنه خالد بن الوليد لقتل مسيلمة وبنى حنيفة .. وكان عدد المشركين مائة ألف أو يزيد وكان المسلمون بضعة عشر ألفاً. فدخل الأعداء حديقة تعرف بإسم حديقة الموت و تحصنوا بها .. ولكن المسلمين استطاعوا أن يفتحوا باب الحديقة .. و دارت بداخلها معركة أخرى. و رمى وحشي بن حرب رضي الله عنه مسيلمة الكذاب بحربته .. و جاء إليه أبو دجانة فضربه بالسيف فقتله. وما زال البطل أبو دجانة يصول ويجول بسيفه حتى انكسرت رجله.. و على الرغم من ذلك نهض وظل يقاتل ببسالة وفداء. وسقط من المسلمين يومها مئات وكان من بينهم بطلنا أبو دجانة ونزفت دمائه الشريفة التي طالما امتزجت بحب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. و ها نحن نذكر سيرته العطرة التي لم ولن تموت فى قلوبنا بل ستبقى حية مادامت السماوات والأرض. رضي الله عن أبو دجانة وعن سائر صحابة النبي عليه الصلاة والسلام.