عند إلقاء لمحة سريعة على من ظهروا من المرشحين لأول انتخابات رئاسية مباشرة تجريها تركيا يتضح التغير الجذري الذي أحدثه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الذي يشغل المنصب منذ 11 عاما.. نخبة علمانية قديمة تركت الساحة لرجلين من خلفية إسلامية وثالث من الأقلية الكردية التي قمعت لفترة طويلة. وقال سولي أوزيل استاذ العلوم السياسية بجامعة قدير في اسطنبول "من المؤكد أنها سابقة... جمهورية جديدة." وأضاف "نحن حقا في مياه مجهولة." ويتوقع على نطاق واسع أن يعلن اردوغان يوم الثلاثاء ترشحه لانتخابات الرئاسة التي تجري في اغسطس آب مما سيزيد من إحكام قبضته على السلطة. ولم تتأثر شعبية رئيس الوزراء رغم موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة وفضيحة فساد. ويرى كثيرون أن انتصاره حتمي. ومنذ تولى حزب العدالة والتنمية الذي يقوده اردوغان سدة الحكم عام 2002 بنى قاعدة تأييد ضخمة بين المسلمين المحافظين وبينهم الكثير من الفقراء الذين كانوا يشعرون بأنهم يعاملون معاملة مواطنين من الدرجة الثانية في دولة علمانية فعلى سبيل المثال كان هناك حظر على ارتداء الحجاب في المباني الحكومية. اما اردوغان نفسه (60 عاما) فقضى حكما قصيرا بالسجن عام 1999 بسبب نشاطه السياسي. تولى مقاليد الحكم بعد ذلك بأربعة أعوام فقط فروض الجيش الذي كان يعتبر نفسه حائط الصد الأخير في مواجهة التيار الإسلامي وعزل أربع حكومات خلال أربعة عقود. ولم يعد الدين من المحرمات بل أصبح الآن قضية سياسية محورية. ويرفض الكثير من الأتراك البالغ عددهم 77 مليون نسمة فكرة الرئيس العلماني. وصل هذا الرفض الى حد أن حزب الشعب الجمهوري وهو حزب مؤسس الدولة العلمانية كمال أتاتورك واكثر الأحزاب التركية علمانية وحزب الشعب الوطني اختارا مرشحا مشتركا هو اكمل الدين احسان اوغلو الدبلوماسي والاكاديمي الذي يقود منظمة التعاون الإسلامي منذ تسعة اعوام وحتى العام الحالي. أثار اختيار احسان اوغلو المولود بالقاهرة والذي كرس جزءا كبيرا من حياته من أجل قضية الإسلام انتقادات شرسة من علمانيين أشداء داخل حزب الشعب الجمهوري اذ رفض عدد كبير التوقيع على ترشيحه رسميا. وفي اول تصريحات له بعد اقتراح ترشيحه سارع احسان اوغلو الى تأكيد أهمية فصل الدين علن الدولة. وقال إن العالم الإسلامي أصبح "مضطربا" بسبب هذه القضية. ولا ترتدي زوجته الحجاب على عكس زوجة اردوغان. كما اشاد احسان اوغلو بأتاتورك في تناقض واضح مع رئيس الوزراء الذي أغضب الكثير من الأتراك من محبي أتاتورك حين أشار على ما يبدو الى المؤسس بأنه سكير خلال كلمة ألقاها في مايو ايار عام 2013. وبعد حوالي عشر سنوات على رأس ثاني اكبر منظمة دولية في العالم تمثل 1.5 مليار شخص في العالم الإسلامي يصعب التشكيك في مؤهلات احسان أوغلو (70 عاما) الدبلوماسية والدينية. ويؤكد ايكان اردمير نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري أن احسان اوغلو ليس نسخة باهتة من أردوغان الذي اشتهر بتصريحاته النارية لكنه بديل محل ثقة لدى ملايين الأتراك المتدينين. وقال لرويترز "بالنسبة لي هو العكس تماما لاردوغان... تعددي مقابل شخص يعتمد على الأكثرية. شخص يميل الى المصالحة مقابل متعصب شعبوي. لدينا خيار حقيقي بين رئيس ليبرالي وآخر استبدادي." ويقول محللون إن احسان اوغلو يمثل عودة الى القيم السياسية العلمانية والليبرالية وسط خلفية دينية وهو النهج الذي كان يعتمده حزب العدالة والتنمية عندما تولى الحكم للمرة الأولى. لهذا فإنه قد يتمكن من استقطاب أنصار اردوغان الغاضبين القلقين من نزعاته السلطوية المتزايدة ولغته الحادة. وفي ذروة فضيحة فساد في وقت سابق من العام الحالي تمس وزراء بحكومته وصف اردوغان معارضيه السياسيين بأنهم إرهابيون وخونة. وتوقف تحقيق تجريه الشرطة حين قام بتطهير الشرطة والقضاء. ويقول مراد يتكين من صحيفة راديكال الليبرالية إن قرار حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعب الوطني أن يكون احسان اوغلو مرشحهما المشترك يعني أنهما يدخلان "الفناء الخلفي" لأردوغان. وسمعة احسان اوغلو التي لا يمكن التشكيك فيها قد تجعل من الصعب على اردوغان وأنصاره استهدافه بالهجوم السياسي. وقال يتكين "اي حملة تشويه محتملة ضد احسان اوغلو المعروف بشخصيته الراقية قد لا تجد مؤيدين حتى بين قواعد حزب العدالة والتنمية." لكن حتى اذا كفلت مؤهلات احسان اوغلو الاسلامية له بعض الحماية فإن مساعدي اردوغان قد يصوبون نيرانهم على ما يعتبرونه فشلا من احسان اوغلو في التنديد بعزل الجيش الرئيس المصري المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي إثر احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه. ولن تفيد خبرة احسان اوغلو في الشؤون الدولية وشؤون العالم العربي كثيرا بين الجماهير التركية فالكثير منهم لم يكن يعلم بوجوده حتى الأسبوع الماضي. ولن تحميه من الصحافة الموالية الحكومية فقد وصفه أحد الكتاب بأنه أداة للمصالح الأجنبية. وتشير استطلاعات الرأي الى أنه اذا أكد حزب العدالة والتنمية ترشيح اردوغان يوم الثلاثاء فإن خصومه سيواجهون صعوبة لإجباره على خوض جولة إعادة اذ تظهر الاستطلاعات أنه سيحصل على 55 في المئة من الأصوات وتقدمه بعشرين نقطة. واذا لم يحصل اردوغان على نسبة الخمسين في المئة المطلوبة لتجنب جولة إعادة فإن الأقلية الكردية وتقدر بما بين 15 و20 في المئة من السكان يمكن أن تقرر مصيره. ولعبت جهود إنهاء عقود من الصراع بين الحكومة والمتمردين الأكراد دورا مهما خلال رئاسة اردوغان للوزراء وقادت الى وقف لإطلاق النار العام الماضي الى جانب تخفيف للقوانين العنيفة على اللغة والثقافة الكرديتين. وخاض اردوغان مجازفة سياسية كبيرة خاصة مع الجيش عندما بدأ محادثات مع حزب العمال الكردستاني. ويقول محللون إن نحو نصف الأكراد يصوتون لحزب العدالة والتنمية وإن كثيرين منهم سيسيرون على نفس النهج اعتقادا منهم بأن اردوغان هو املهم في تسوية دائمة للسلام. وأحالت حكومته الأسبوع الماضي مشروع قانون للبرلمان يحدد إطار العمل القانوني لمحادثات السلام مما سيعطيها دفعة.