آثارت المعارضة التركية الكثير من الجدل داخل الأوساط السياسية بعد قرارها بترشيح الدكتور أكمل إحسان الدين أوغلو لمنافسة رئيس الوزراء الحالى رجب طيب أردوغان فى الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، فى الانتخابات التى تجرى فى العاشر من شهر أغسطس المقبل. بطبيعة الحال ليس مستغربا أن تقدم المعارضة منافسا لأردوغان، لكن المفاجأة تمثلت فى توافق حزبى المعارضة الرئيسيين (الشعب الجمهورى والحركة القومية) على اسم أوغلو، الأمر الذى يعكس تحولا مثيرا وعميق الدلالة فى موقفيهما. ويأتي ذلك لأن الموقف التقليدى لحزب الشعب الجمهورى على النقيض تماما مما يمثله أوغلو. فذلك الحزب الذى أسسه مصطفى كمال أتاتورك فى عام 1923 يمثل التطرف العلمانى المخاصم للإسلام وللمؤسسات الدينية والنافر من العرب والعروبة، والذى لا يرى سوى أوروبا الغربية قبلة ونموذجا. أما الحزب القومى فأبرز ما يميز موقفه إضافة إلى تطرفه العلمانى هو تعصبه العرقى الذى يجعله رافضا دائما للاستجابة لمطالب الأكراد الذى كان المشروع الكمالى الأصلى يرفض الاعتراف بهويتهم ويعتبرهم «أتراك الجبل». وكان الدكتور أكمل إحسان الدين أوغلو قد استبعد العام الماضي أن يخوض غمار العمل السياسى قائلا: إنه «ليس من أهلها». إلا أن الكماليون المتشددون أعلنوا رفضهم التام والقاطع لترشيح «يمينى محافظ ورئيس سابق لمنظمة إسلامية رئيسا للجمهورية التركية العلمانية». ونقل عن النائبة فى البرلمان نور سيرتل قولها: «أشعر بالعار من ذلك الاختيار الذى لا يليق بإرث أتاتورك». فى الوقت ذاته هدد نواب فى الحزب بترشيح اسم آخر بديل عنه. وهو ما يسمح به القانون. إذ بمقتضاه يحق لأى عشرين نائبا فى البرلمان اقتراح ترشيح شخص للمنافسة على انتخابات الرئاسة إذا أقروا بذلك كتابيا. وقد امتد الانقسام إلى بقية الأوساط السياسية والإعلامية، بين فريق يؤيد الترشيح ويعتبر الدكتور أكمل الدين شخصية تحظى بالإجماع الوطنى، وآخرين يرون فيه مثقفا مغمورا، ولا شأن له بالسياسة المحلية. جدير بالذكر أن أوغلو تخرج فى كلية العلوم فى جامعة عين شمس، عام 1966. بعدما ولد وعاش طفولته وشبابه فى مصر بحى الحلمية، وتخصص فى دراسة تاريخ العلوم عند المسلمين، وله كتابات غزيرة فى هذا المجال. وقد أهله ذلك لكى يدير مركز الأبحاث للتاريخ والفنون الإسلامية (أرسيكا) فى اسطنبول طيلة نحو ربع قرن، ثم رشحته بلاده لمنصب مدير منظمة المؤتمر الإسلامى (التى حملت اسم التعاون الإسلامى) وصوتت الأغلبية لصالحه فى عام 2005، إلى أن انتهت مدته هذا العام. وطوال سنوات عمله عرف بأنه مسلم معتدل، علاقاته وثيقة بالعالم العربى والإسلامى، ومشروعه الثقافى ظل يعبر عن الاعتزاز بالثقافة والحضارة فى عالم الإسلام.