مجاعات وفقر وفساد وأوضاع إنسانية متردية، وانهيار في المنظومة الاقتصادية والسياسية، عناصر مثلت محاور مهمة لتجارب سينمائية في عدة دول بالقارة الإفريقية مثل «السنغال، ونيجيريا، وكينيا، ومالي، وموريتانيا، وجنوب إفريقيا، ورواندا» وأسست لإنتاج أفضل أسهم فى ازدهار السينما الإفريقية. في الحلقة الماضية تناولنا السينما النيجيرية، ونتناول في هذه الحلقة تجربة السينما السنغالية. تاريخ السينما السنغالية بدأت السينما السنغالية في خمسينيات القرن الماضي، وشهدت فترة متميزة ما بين عام 1960 حتى عام 1980، ومع بداية عام 1990 أخذت صناعة السينما في السنغال في الاختفاء، فلم يتعد إنتاجها فى السنوات العشر الأخيرة سوى 5 أفلام روائية فقط. فى عام 1955، تم إنتاج أول فيلم سنغالي لبولين فييرا "Afrique sur Seine"، وتبعه عدد من الأفلام القصيرة "L'Afrique à Moscou" و"Le Niger aujourd'hui"، ثم أنتج بعد ذلك فيلم وثائقي عن استقلال الكاميرون، وانتشرت الأفلام الوثائقية في السنغال منذ ذلك الوقت. مخرجون رواد غلبت الميلودراما على السينما الإفريقية التى كانت تتناول القوة المدمرة للسلطة والمال والاستعمار، فيما قام الكاتب السنغالي عثمان سيمبين "Ousmane Sembène" بتحويل العديد من القصص القصيرة إلى أفلام، فأصبح رائد إحدى الشركات المنتجة للأفلام السينمائية، وأنتج أول أفلامه عام 1963 "Barom Sarret"، وهو فيلم قصير مدته 20 دقيقة، يحكي عن معاناة السنغاليين من الفقر، وكان أول فيلم يعبر عن أوجاع القارة السمراء. شكل سيمبين فترة مهمة فى السينما السنغالية حيث صنع أفلاما وضعت إفريقيا على الخريطة السينمائية العالمية، فكان يقوم بنقل صور إيجابية عن إفريقا على عكس الصور المقدمة فى الأفلام الأوروبية، وأخرج واحدا من أهم الأفلام المعروفة عالميا عام 1966 وهو فيلم "فتاة سوداء" "Black Girl"، الناطق باللغة الفرنسية والحاصل على جائزة مهرجان قرطاج السينمائي، ويتناول حكاية امرأة شابة من داكار العاصمة انتقلت من إفريقيا إلى فرنسا لتعمل مربية أطفال لواحدة من العائلات الثرية، لتدرك بعد فترة أنها تتحوّل لعبدة مملوكة لتلك الأسرة، وكانت مدة الفيلم 60 دقيقة، وفاز بجائزة جان فيجو "Jean Vigo"، ولفت الأنظار سواء في السنغال أو السينما الإفريقية على وجه العموم. السنوات الذهبية تعد فترة السبعينيات هى الفترة الذهبية، إذ نمت صناعة السينما في السنغال على يد سيمبين، والمخرج جبريل ديوب مامبتي، الذي أخرج عددا كبيرا من الأفلام تناولت الحياة الاجتماعية والأوضاع السياسية في إفريقيا؛ وكانت أفلامه غير تقليدية وسريعة اتخذت السريالية أسلوبا لها، وتعاملت مع المتناقضات والتعقيدات التي نشأت داخل المجتمع السنغالي، فقطعت أفلامه خطوات كبيرة فى تطوير السينما الإفريقية. من أفلامه "مدينة الكونترا" الذى أنتج عام 1968، وسلط الضوء على التناقضات في الهندسة المعمارية بالمناطق التي تعاني من الفقر، وفى عام 1973، استطاع تجسيد مشاكل العزلة الاجتماعية من خلال المعتقلين فى فيلم " Touki Bouki"، الذي بلغت ميزانيته 30 ألف دولار، وشاركت الحكومة السنغالية فى تمويله. أزمة التمويل مع حلول عام 1980، انخفض الإنتاج السينمائي بسبب عدم وجود تمويل محلي كافٍ لتطوير صناعة السينما، على الرغم من وجود عدد كبير من السينمائيين السنغال المهتمين بصناعة الأفلام، إلا أن التمويل يقف عائقا أمامهم، وإن كانت بعض الجهات الخارجية قد بدأت تمويل أفلام سنغالية للعرض فى مهرجانات سينمائية دولية وليس فى السنغال فقط، وهو ما يشير إلى أن السينما السنغالية قد تكون على وشك الخروج من المأزق، خاصة مع تأسيس صندوق لدعم الأفلام، وانتشار حركة ترميم قاعات السينما لإعادة فتحها أمام الجمهور من جديد.