اقتربت تركيا من تطبيق النظام الرئاسي الذي حلم به الرئيس رجب طيب أردوغان طيلة الفترة الماضية، والذي يمكنه من حكم كل المؤسسات الرسمية بصلاحيات واسعة. وأعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الثلاثاء أن حزب العدالة والتنمية الحاكم سيعرض على البرلمان قريبًا خططه لزيادة سلطات الرئاسة؛ ليمهد الطريق بذلك أمام استفتاء أبدت المعارضة القومية تجاهه مرونة في الآونة الأخيرة. ومنذ فترة طويلة ويبدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغبته في تطبيق نظام رئاسي تنفيذي على غرار النظام الأمريكي أو النظام الفرنسي، قائلًا إن «البلاد بحاجة إلى قيادة قوية»، لكن مع ذلك يخشى خصومه أن يؤدي هذا التغيير إلى مزيد من السلطوية، وقال يلدريم للصحفيين في أنقرة قبل اجتماع لحزب العدالة والتنمية في البرلمان «نحن في حزب العدالة والتنمية سنطرح على برلماننا اقتراحًا يتضمن التعديل الدستوري والنظام الرئاسي». وما أثار الحديث مرة أخرى عن فكرة النظام الرئاسي دون سابق إنذار هو دولت باهشلي، رئيس حزب الحركة القومية (ثاني أحزاب المعارضة)، حيث أثار جدلًا كبيرًا حول ماهية إبداء هذا الحزب مرونة تجاه هذا المشروع، على الرغم من أن النقاش حوله كان قديمًا، واختفى بعد الانقلاب العسكري الفاشل، وقال باهشلي: إن الواقع الفعلي في الحياة السياسية التركية اليوم يتعارض مع الدستور، حيث ينص على أن النظام في البلاد برلماني، بينما يتمتع الرئيس التركي فعليًّا بصلاحيات واسعة فيما يشبه النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي، واقترح لإزالة هذا التعارض -الذي عده انتهاكًا للدستور- تعديلات دستورية تعيد البلاد لنظام برلماني خالص، أو "تحول الواقع الفعلي إلى أمر رسمي" بإقرار النظام الرئاسي في البلاد، مطالبًا الحزب الحاكم بتقديم مقترحه حول النظام الرئاسي للبرلمان، الأمر الذي تجاوب معه رئيس الحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم بن علي يلديرم واعدًا بتقديم المقترح "خلال عشرة أيام". ولكن هذا الحديث لم يمر مرور الكرام، فانتقده حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة)، متهمًا باهشلي بعقد صفقات سرية مع العدالة والتنمية وترتيب الأمر بعيدًا عن الأعين، ثم طرحه وكأنه مبادرة منه، لاسيما وأن طرح الفكرة جاء دون أي أسباب أو سياقات مفهومة أو داعية له، وبعد غيابه عن الأجندة السياسية التركية لأشهر طويلة، خاصة منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة، فضلًا عن سرعة تجاوب الحزب الحاكم مع الأمر وطرح جدول زمني محدد للخطوات العملية المقبلة. واستقبل وزير العدل بكير بوزداغ هذا الأمر بإشادة واسعة، مرجحًا تنظيم استفتاء عام على تعديل دستوري في هذا الصدد «قبل الربيع، إذا وضع البرلمان المسألة على جدول أعماله، واتخذ قرارًا سريعًا»، وأضاف أن الاقتراح لتعديل الدستور سيُبقي البرلمان كما هو، ويحمي الهيكل الموحّد لتركيا. ويري مراقبون أن ترحيب بوزداغ يشير إلى أن هناك اتفاقًا ضمنيًّا مع حزب «الحركة القومية»، من أجل دعم اقتراح الحكومة، وتأمين نصاب برلماني يتيح عرض المشروع على استفتاء عام، في الوقت الذي يرفض حزبا «الشعب الجمهوري» و«الشعوب الديمقراطي» المعارضان الفكرة، وتقول أوساط مقربة لصحف محلية إن رئيس الحزب القومي دولت باهشلي توصل مع أردوغان إلى اتفاق على نقاط محددة حول الملف الرئاسي، يشمل تعهدًا من الرئيس بطي صفحة المفاوضات مع الأكراد أو «حزب العمال الكردستاني»، مقابل دعم مشروع النظام الرئاسي وسياسة تركيا في سوريا والعراق. وقال بوزداغ إنه «خلص من تصريحات باهشلي إلى أنه سيؤيد اقتراح النظام الرئاسي في البرلمان»، لكن كثيرين يتوقّعون أن يتجاوز دعم «الحركة القومية» تأمين النصاب في البرلمان، ليشمل دعوة ناخبي الحزب إلى التصويت لمصلحة مشروع الحكومة في الاستفتاء، من أجل تأمين الغالبية البسيطة المطلوبة، خصوصًا أن استطلاعات رأي قديمة أظهرت أن جزءًا من ناخبي حزب «العدالة والتنمية» الحاكم يرفض تحويل النظام رئاسيًّا، وأن الدعم الشعبي للمشروع لا يزيد على 40 في المائة، لكن تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة في (يوليو) الماضي قد تغيّر المعادلة، سلبًا أو إيجابًا. وأثار تفاؤل وزير العدل أسئلة حول إمكان تنظيم استفتاء مهم تحت حال الطوارئ، في حال تمديدها، وهل سيؤدي تأييد التعديل الدستوري إلى انتخابات رئاسية جديدة، ناهيك عن دور البرلمان ورئيس الوزراء مستقبلًا. واعتبر مراقبون أن باهشلي الذي كان من أبرز خصوم أردوغان، ورافضًا فكرة النظام الرئاسي، يسعى إلى تأمين الأصوات اللازمة لإنجاح مشروع الرئيس، لإبعاد الأخير عن التحالف مع الأكراد، كما فعل عام 2014، قبل فشل مشروع الحوار السلمي مع «الكردستاني»، لكن خبراء يرون أن باهشلي يشعر أنه مدين لأردوغان، إذ أنقذه من معارضين كادوا يطيحون به من زعامة الحزب، من خلال اتهامهم بالمشاركة في محاولة الانقلاب وتأييد فتح الله جولن. من جانب آخر يرجح مراقبون توجه تركيا إلى انتخابات مبكرة؛ حيث تشير تقارير من الصفوف الخلفية لحزب الشعب الجمهوري إلى أن زعيمه كلتشدار أوغلو طلب من نوابه الاستعداد لانتخابات مبكرة بحلول إبريل 2017، ويؤكد مراد يتكين، معلق سياسي في صحيفة حريت ديلي نيوز التركية، أن هناك تحركات سياسية تمهيدًا لإجراء انتخابات مبكرة، مشيرًا إلى أن المجلس الأعلى للانتخابات بدأ في الاستعداد لطباعة بطاقات انتخابية، وذلك بالرغم من عدم ورود تفاصيل بشأن ما إذا كانت تلك البطاقات خاصة بانتخابات أو باستفتاء. ويرى يتكين أن الانتخابات المبكرة قد تمنح أردوغان ويلدريم الفرصة لاستبعاد أشخاص مشتبه بصلتهم بفتح الله جولن، وذلك في صمت وهدوء، ما ينقذهم من صداع سياسي تسببه تحقيقات ومحاكمات، وفي الواقع ينطبق ذلك الأمر على جميع الأحزاب.