على الرغم من وجود قواعد أمريكية منتشرة في أوروبا بحكم العلاقات الأطلسية التي تربط بين الطرفين، بالإضافة إلى مزاعم مشتركة بين الطرفين بوجود تهديد روسي على مصالحهما يستوجب التعاون العسكري ووجود قواعد، إلا أن هذا التواجد غير مرحب به على المستويين الشعبي والحكومي، فشعبيًّا ووفقًا لمعلومات للاستطلاع للرأي من أقدم وأعرق شركة البحوث الفرنسية "IFop" خلال الفترة من 28 يونيو وحتى 4 يوليو 2016، فإن الأوروبيين لا يثقون في القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة على أراضي بلادهم في قضايا قد تتعلق بأمنهم القومي. وهناك فقط 4% من سكان ألمانيا و5% في إيطاليا يعتقدون بأن القواعد العسكرية الأمريكية تستطيع الدفاع عن بلادهم أفضل من الجيش الوطني، مع الأخذ بالاعتبار أن ألمانياوإيطاليا هما من أكثر البلدان التي توجد فيها منشآت عسكرية أمريكية، وتتمركز فيهما بشكل كبير القوات البحرية الأمريكية، بالإضافة إلى باقي أفرع الجيش الأمريكي، حيث يوجد في ألمانيا 26 قاعدة أمريكية، بالإضافة لثماني قواعد أمريكية في كل من بريطانياوإيطاليا. القواعد الإيطالية وفيما يخص القواعد العسكرية التابعة للدول الأوروبية فهناك ندية في التعاطي مع واشنطن لاستخدامها، وتخضع لشروط ومعايير محددة. فعلى الرغم من أن إيطاليا أبدت استعدادها لقبول الطلب الأمريكي بالتواجد في قواعدها لضرب داعش في ليبيا، حيث كشف وزير الخارجية الإيطالي، باولو جينتيلوني، أغسطس الماضي، أن سلطات بلاده مستعدة لدراسة مسألة استخدام قاعدة "سيغونيلا" الجوية في صقلية لتوجيه ضربات ضد "داعش" في ليبيا، إلا أنه وفي نهاية المطاف قوبل المطلب الأمريكي بالرفض. مع العلم أنه في شهر فبراير الماضي سمحت إيطاليا بانطلاق طائرات أمريكية بدون طيار مسلحة من أراضيها؛ لتنفيذ مهام ضد تنظيم "داعش" في شمال إفريقيا، ولكن ضمن شروط، حيث يشمل القرار الإيطالي ما وُصف بالمهام الدفاعية فقط، وليست الهجومية، كما أن إيطاليا أكدت أنها ستسمح أو ترفض بانطلاق الطائرات من قاعدة في صقلية، بعد دراسة كل طلعة على حدة، وبحسب مصادر أمريكية فإن مسؤولين عسكريين أمريكيين يحاولون منذ أكثر من عام إقناع إيطاليا بالسماح لدفاع الجو الأمريكي باستخدام قواعدها في صقلية. وقتها قالت وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي في مقابلة مع صحيفة "إيل ميساجيرو"، إنه "يفترض أن يطلب الأمريكيون إذنًا من حكومتنا في كل مرة يريدون فيها استخدام طائرة انطلاقًا من قاعدة سيغونيلا الجوية"، موضحة أن القاعدة تستخدم من الولاياتالمتحدة وفقًا لمعاهدة يعود تاريخها إلى خمسينيات القرن الماضي. وذكر ليوناردو تريكاريكو، الرئيس السابق لهيئة أركان القوة الجوية، والرئيس الحالي لمؤسسة "إكسا" للخدمات الأمنية والعسكرية، أن "الأمر يتعلق بوسيلة لتصحيح مفهوم أن قاعدة سيغونيلا ليست أمريكية أو تابعة للناتو، بل هي قاعدة إيطالية لا تمنح الإذن سوى لعمليات تندرج في إطار حلف شمال الأطلسي، وليس لمحاربة تنظيم داعش، على الأقل حتى الآن"، لذا "فإن أي استخدام آخر يجب أن يؤذن به؛ للتحقق من أن أغراضه تتفق مع السياسة الإيطالية"، حسب وصفه. القواعد الفرنسية ولم يتوقف الحال عند هذا الحد، فعندما رفضت روما طلب واشنطن باستخدام قواعدها العسكرية، لجأت أمريكا لفرنسا حليفتها القديمة؛ كي تستخدم قاعدتها سولينزارا، حيث تتميز القاعدة الفرنسية بتوفر مخازن وافرة من الذخائر، كما أنها تتمتع بموقع استراتيجي كبير، جعلها محطة للمناورات التي تقوم بها قوات الناتو في المتوسط، وكذلك قاعدة رئيسية من قواعد العمليات العسكرية ضد نظام معمر القذافي عام 2011. وبالفعل تقدمت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بطلب رسمي من وزارة الدفاع الفرنسية للسماح لمقاتلاتها باستعمال مطار قاعدة عسكرية فرنسية في جزيرة كورسيكا، غير أن "سوء تفاهم" حدث بين الحليفين عطل الأمر، حسبما كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية. وتتابع الصحيفة أن الطلب قوبل بموافقة مبدئية من وزير الدفاع جان إيف لودريان، حتى إن طواقم من الخبراء الأمريكيين انتقلوا فعلًا إلى القاعدة، وبدءوا ترتيبات جدية لاستقبال المقاتلات الأمريكية. غير أن القرار الأخير، كما هو الحال في مثل هذا النوع من المسائل، يعود إلى مجلس الدفاع الفرنسي، الذي يرأسه قائد الجيوش فرانسوا هولاند، ويجتمع بشكل أسبوعي منذ اعتداءات 14 يوليو 2016 الإرهابية في مدينة نيس. ووفق معلومات "لوموند" وافق هولاند، ولكنه اشترط أن يطلب منه ذلك الرئيس الأمريكي شخصيًّا. وحين شرع المسؤولون الفرنسيون في ترتيب الاتصال الهاتفي بين باريسوواشنطن في هذا الصدد، حدث أمر وصفته الصحيفة ب"سوء التفاهم". وتابعت "لم يعودوا يفهمون شيئًا في واشنطن، وفي الوقت الراهن من غير المتوقع أن تحط الطائرات الأمريكية في سولينزارا". القواعد البريطانية حاليًّا تنطلق المقاتلات الأمريكية نحو أهدافها في ليبيا من قاعدة "لاكينهيث" في المملكة المتحدة، غير أن المسافة البعيدة تجبرها على التزود بالوقود؛ لذلك فكرت في القاعدة الإيطالية أو الفرنسية، وقد لا يكون هذا السبب الوحيد الذي جعل واشنطن تبحث عن بديل للقاعدة البريطانية، فبريطانيا نفسها وقبل عامين أوصت مجموعة من البرلمانيين البريطانيين بضرورة عدم السماح للولايات المتحدةالأمريكية مجددًا باستخدام جزيرة "دييجو جارسيا"، المملوكة لبريطانيا والواقعة في المحيط الهندي؛ لنقل مشتبه بهم في ممارسة الإرهاب، وتنفيذ عمليات قتالية، أو أي أنشطة أخرى لها حساسية سياسية، دون إذن صريح من الحكومة البريطانية. وأشار البرلمانيون البريطانيون إلى أن المعلومات المتعلقة بالنطاق الذي استخدمت خلاله وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" الجزيرة ك "موقع أسود" لنقل المعتقلين لا تزال محجوبة، وتم نقل سكان "دييجو جارسيا" قسريًّا بواسطة الحكومة العمالية في بريطانيا في ستينيات القرن الماضي؛ لتمهيد السبيل أمام تأسيس قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة، واستخدمت الجزيرة كقاعدة لشن هجمات جوية على كل من العراق وأفغانستان. الجدير بالذكر أن "دييجو جارسيا" جزيرة مرجانية في المحيط الهندي، مؤجرة للولايات المتحدة حتى عام 2016. ويتزامن الحديث عن تقليص القوات الأمريكية لقواعدها العسكرية المتواجدة في أوروبا مع زيادة عدد قواعدها في المنطقة العربية، كما هو الحال في الصومال وجيبوتي، والقواعد السرية في المملكة السعودية، بالإضافة لأكبر قاعد أمريكية في الشرق الأوسط والمتواجدة في قطر، إلا أن جميع هذه القواعد لا تخضع لسيادة أو إشراف الدول العربية المتواجدة فيها.