تحل علينا اليوم من عام 1881 ذكرى قيام الثورة العرابية، التي أشعلها الشعب المصري بقيادة أحمد عرابي ضد الخديو توفيق، والتي أطلق عليها وقتها مصطلح "هوجة عرابي"؛ نتيجة تردي الأحوال الاقتصادية للبلاد وزيادة التدخل الأجنبي في شؤون مصر الداخلية، فضلًا عن غضب الشعب من وزارة رياض باشا التي اعتمدت في سياستها على خدمة المستعمر الإنجليزي على حساب أصحاب البلد. أمام سراي عابدين قدم "عرابي" للخديو مطالب الشعب، التي تمثلت في عزل رياض باشا، وتشكيل مجلس شورى النواب، وزيادة عدد الجيش، فما كان من توفيق إلا أن رد على هذه المطالب بجملته: "كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا"، ليرد عليه "عرابي" بمقولته الشهيره: "لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا. فوالله الذي لا إله إلا هو لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم". وتحت الضغط الشعبي استجاب الخديو توفيق للمطالب، فقرر عزل رياض باش من منصبه وإسناد مهمة تشكيل الوزارة إلى شريف باشا. وتولى محمود سامي البارودي في هذه الوزارة حقيبة الحربية، وتوجت جهودها بوضع شريف باشا دستورًا للبلاد قام بعرضه على مجلس النواب الذي أقر معظم مواده، غير أن الأمور لم تستقر كثيرًا، حيث قرت إنجلترا وفرنسا إرسال مذكرة مشتركة في 7 يناير عام 1882 أعلنتا فيها مساندتهما للخديو، فما كان من شريف إلا أن استقال من منصبه، وشكل البارودي حكومة جديدة، كان فيها عرابي وزيرًا للداخلية. أولى الخطوات التي اتخذتها حكومة البارودي كانت إعلان الدستور وإقراره، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث نشب خلاف بين حكومة البارودي والخديو توفيق؛ لرفض الأخير تنفيذ بعض الأحكام العسكرية، واستغلت إنجلترا وفرنسا الوضع، وأرسلتا أسطوليهما إلى شاطئ الاسكندرية، معللين ذلك بحماية الأجانب في مصر من الأخطار. وتقدم قنصلا الدولتين بمذكرة مشتركة، طالبا فيها باستقالة الوزارة، وإبعاد عرابي عن وزارة الجهادية "الحربية"، إلى جانب إقامة علي باشا فهمي، وعبد العال باشا حلمي – زميلي عرابي ومن كبار قادة الجيش، في الريف، مع احتفاظهما برتبتيهما ومرتبيهما، فرفضت الحكومة المصرية المذكرة، واعتبرتها تدخلًا مهينًا في شؤون مصر الداخلية، وطلبت الحكومة من الخديو التضامن معها، فرفض، وأعلن انحيازه لمطالب الدولتين، فقدم البارودي استقالته. بقى عرابي في منصب وزير الجهادية "الحربية"، وازدادت الأمور سوءًا بحدوث مذبحة الإسكندرية، وسببها قيام أحد رعايا بريطانيا بقتل مصري، فنشب صراع، سقط خلاله قتلى من الطرفين، وشكلت وزارة جديدة بقيادة إسماعيل راغب، شغل فيها عرابي منصب وزير الحربية، وشككت إنجلترا في قدرة مصر على حل المشكلة، وأخذت تتحرش بمصر، إلى أن استغلت تجديد قلاع وحصون الإسكندرية، فأرسلت إلى قائد الحامية الموجودة بها أن يكف عن ذلك، فرفض، وفي اليوم التالي قصفت الإسكندرية، وأعلنت استسلامها. مال الخديو إلى كفة الإنجليز، وطالب عرابي بعدم التصدي للإنجليز، فرفض الأخير، وطلب من وكيل وزارة الجهادية يعقوب سامي تشكيل جميعة وطنية من الأعيان والأمراء، واتقفت الجمعية على مواجهة المحتل وعزل الخديو عرابي، وقرر الأخير التحرك بقواته إلى كفر الدوار، وفي 28 أغسطس 1882 التقى الجيشان المصري والبريطاني، فانهزم عرابي، وانطوت صفحة الحرب بهزيمة مصر للمرة الثانية في معركة التل الكبير في سبتمبر 1882؛ لتتم محاكمة عرابي ورفاقه، وينفوا إلى جزيرة سيلان في 3 ديسمبر 1882، وتبدأ مصر المعاناة في ظل الاحتلال الإنجليزي، الذي استمر 74 عامًا.