شهدت الدبلوماسية التركية خلال الأيام القليلة الماضية عدة تقلبات في المواقف التي تتعلق بقضايا الشرق الأوسط، وكانت الأزمة السورية واحدة من هذه القضايا، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الرئيس السوري بشار الأسد واستمراره في الحكم، فبين عشية وضحاها لم يعد الرئيس السوري يتصدر قائمة أعداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فالأسد الذي كان عدوًّا لدودًا لأردوغان ونظام حكمه منذ عام 2011، أصبح الآن خيارًا مقبولًا لدى تركيا، حيث تغيرت استراتيجية أنقرة في التعاطي مع الرئيس السوري، وتبنت الإدارة الأردوغانية معادلة جديدة، بدأت تحتكم إليها في التعامل مع الملف السوري عامة والأسد على وجه التحديد. تصريحات دافئة.. خطوة أولى في طريق التقارب برزت خلال الأيام القليلة الماضية تصريحات عدة، توحي بتبني تركيا استراتيجية جديدة في التعامل مع الملف السوري، خاصة بعد تقاربها مع روسيا وتعزيز تنسيقها مع إيران، الأمر الذي سهل التمهيد للتقارب التركي السوري، حيث خرج رئيس الوزراء التركي، بن على يلدريم، للمرة الأولى ليتحدث عن الرئيس السوري بشار الأسد بلغة تتسم بالاحترام والتقدير لمكانته، ويعلن أن الأسد يُعد أحد اللاعبين في سوريا ويمكن أن يبقى مؤقتًا خلال الفترة الانتقالية، ويمكن محاورته من أجل البدء في المرحلة الانتقالية التي نصت عليها نتائج اجتماعات مؤتمر جنيف، وهذه التصريحات تًعد مثيرة للدهشة بعدما كانت أنقرة تعتبر أن تنحي الأسد ضروريًّا لإنهاء الأزمة في سوريا، وأنه قاتل وسفاح يذبح شعبة ويدمر بلاده. هذه التصريحات تزامنت مع دعوة رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أمس الاثنين، الدول الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدةوإيران والسعودية وتركيا إلى العمل معًا من أجل فتح صفحة جديدة بشأن الأزمة في سوريا دون إضاعة الوقت، وهو ما أظهر استعداد أنقرة للعمل مع القوى الدولية التي تختلف مواقفها بشكل كبير بشأن سوريا، حيث قال يلدريم: من المهم للغاية عدم إضاعة الوقت وفتح صفحة جديدة بشأن سوريا تقوم على مقاربة تشارك فيها بشكل خاص تركياوإيرانوروسيا والولايات المتحدة وبعض دول الخليج والسعودية. وأضاف رئيس الوزراء التركي أنه من غير المقبول بتاتًا إقامة أي كيان كردي في شمال سوريا أو جنوبتركيا أو أي منطقة أخرى، مؤكدًا أن موقف تركيا واضح جدًّا، وهو عدم السماح بتقسيم سوريا، والحفاظ على وحدة أراضيها وعدم السماح بتشكيل أي كيان يمكن أن يعود بفوائد على أي جماعة، وشدد رئيس الحكومة التركية على ضرورة عمل جميع الأطراف لوقف سفك الدماء في سوريا، وتشكيل حكومة شاملة تشارك فيها جميع المجموعات لإزالة كل العداوات القائمة. تفجير غازي عنتاب يُعيد حسابات تركيا هذه التصريحات التي توحي بتقارب وشيك أو تنسيق بين الطرفي التركي والسوري مباشرة خلال الأيام القليلة الماضية، جاءت بعد أن شهدت تركيا السبت الماضي، تفجير استهدف صالة أعراس في ولاية غازي عنتاب التركية المتاخمة للحدود السورية، مخلفًا 51 قتيلًا و69 مصابًا بينهم 17 في حالة حرجة، وخرج الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، حينها ليسارع بإلصاق التهمة بحزب العمال الكردستاني الناشط على الحدود التركية السورية. يبدو أن تفجير غازي عنتاب دفع الحكومة التركية إلى مراجعة حساباتها بشكل جدي، فاختارت التنسيق والتقارب مع الحكومة السورية، خاصة بعد أن خسرت الرهان على إحراز أي مكاسب في هذه الأزمة المشتعلة منذ خمس سنوات، كما أن إعادة العلاقات التركية الروسية إلى مجاريها يمكن أن يكون سببًا مهمًّا في الاندفاع التركي نحو هذه الخطوة الملفته للنظر، استنادًا على أن عودة العلاقات التركية الروسية يمكنه أن يسهل ويقطع أشواطًا كثيرة مليئة بالخلافات بين تركياوسوريا. تطهير الحدود يمهد للتنسيق مع الأسد ظهر التقارب بدايةً في إعلان أنقرة نيتها الدخول بشكل أوسع على خط مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، حيث أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو، أمس الاثنين، أن الحدود التركية – السورية، يجب أن تُطهر بالكامل من تنظيم داعش، وقال الوزير: يجب تطهير حدودنا بالكامل من داعش، مضيفًا: من واجبنا الطبيعي محاربة هذا التنظيم الارهابي على أراضينا كما في الخارج، كما رأى تشاوش اوغلو أن تركيا كانت دومًا الهدف الأول لداعش، مؤكدًا دعم كل عملية ضد هذا التنظيم في سوريا، وأن بلاده ستحارب داعش حتى النهاية. بعد الاستدارة التركية.. هل من لقاء قريب؟ التصريحات التركية المثيرة للجدل والملفته للنظر توحي بحدوث تغير كبير في السياسة التركية الخارجية تجاه سوريا، مثلما حدث مسبقًا مع إسرائيل وروسيا، ويبدو أن هذا التغيير جاء بناءً على اتفاق سري بين روسياوتركيا، خاصة أنه جاء بعد أيام من اللقاء التاريخي بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، رجب طيب أردوغان، الأمر الذي يوحي بقرب ترجمة هذه التصريحات إلى لقاء علني بين الخصمين اللدودين، بشار الأسد ورجب طيب أردوغان.