تشهد شبه الجزيرة الكورية توترًا متزايدًا منذ التجربة النووية الرابعة التي أجرتها كوريا الشمالية في السادس من يناير الماضي، ثم إطلاقها صاروخًا بالستيًا في السابع من فبراير الماضي، في خطوة اعتبرت تجربة على صاروخ بعيد المدى، الأمر الذي أثار غضب وقلق كوريا الجنوبية، ودخلت أمريكا على خط الأزمة حيث قررت أن ترفع يدها تدريجيًّا عن الشرق الأوسط الملتهب، وتنتقل إلى إشعال منطقة جديدة بالنزاعات فاختارت جنوب شرق آسيا. منذ أن أعلنت كل من كوريا الجنوبيةوالولاياتالمتحدةالأمريكية في مارس الماضي، تشكيل مجموعة عمل مشتركة لبحث نشر منظومة «ثاد» في شبه الجزيرة الكورية، بهدف حماية كوريا الجنوبية من برنامج جارتها الشمالية النووي والصاروخي، ارتفعت حدة الأزمة في هذه المنطقة بشكل يشير إلى بداية حرب باردة جديد، ومنظومة «ثاد» هي عبارة عن منظومة دفاع صاروخية أمريكية متقدمة، صممت لإسقاط صواريخ على ارتفاعات عالية نسبيًّا تتراوح ما بين 40 – 150 كلم، باستخدام تكنولوجيا الإصابة بهدف التدمير. أثار نشر الدرع الصاروخية في كوريا الجنوبية أزمة سياسية داخلية في سيول، واندلعت تظاهرات كبيرة في سيونغجو، حيث ستتمركز أولى بطاريات منظومة الصواريخ الأمريكية، وأدان سكان المنطقة المخاطر البيئية والصحية المرتبطة بوجود هذه المنظومة القوية للرادارات، وحذروا من أن تتحول منطقتهم بذلك إلى هدف عسكري مهم. الأزمة السياسية والغضب من الخطوة الكورية الجنوبية امتدت من الداخل الكوري إلى الخارج، فبعيدًا عن تظاهرات سيول المنددة بنشر الدرع، جاءت انتقادات بيونج يانج التي هددت باتخاذ إجراء ملموس، ردًّا على الاتفاق الأمريكي الكوري الجنوبي، وأعلنت قيادة سلاح المدفعية في الجيش الكوري الشمالي، أن جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية ستتخذ إجراء ملموسًا للسيطرة بالكامل على منظومة ثاد، حال تأكيد موقعها في كوريا الجنوبية، وأضاف البيان أن الجيش الكوري الشمالي يمتلك إمكانات كافية ومتطورة لشن ضربة هجومية، وسيتخذ الإجراءات المناسبة الأكثر قسوة والأكثر قوة ضد الولاياتالمتحدة التي تريد شن حرب عبر نشر ثاد، كما حذرت القيادة كوريا الجنوبية بأن موافقتها على نشر الدرع على أراضيها تشكل تدميرًا ذاتيًّا بائسًا. الدرع الصاروخية الأمريكية لم تثر غضب بيونج يانج وحدها على المستوى الخارجي، بل أثارت حفيظة حليفتها الصينية أيضًا التي رأت في هذه الدرع تهديدًا لأراضيها وسببًا لتفاقم التوتر في شبه الجزيرة الكورية، حيث تعتبر الصين أن نشر هذه الصواريخ يستهدفها أكثر من استهداف كوريا الشمالية؛ لأن الكوريتين يشتركان في الحدود وليس هناك حاجة لاستخدام منظومة صواريخ ثاد لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية لجارتها الجنوبية، وإنما يكفي إمداد الجنوبيين بالمدفعية أو منظومة صواريخ تتناسب مع قرب المسافة مع جارتها الشمالية، لكن أن يتركز التسليح على صواريخ ثاد، فالأمر يثير قلق التنين الصيني حول استهداف أراضيه وأمنه القومي. في الإطار ذاته، أدانت بكين نشر سيول النظام المعروف اختصارًا ب«ثاد»، ووصفته بأنه خطوة ضد مصالحها الأمنية القومية، وقالت إنه سيزيد من التوتر في المنطقة، وحذرت صحيفة ذا بيبول اليومية الصينية، سيول من تأثيرات نشر النظام وقالت: إن الجنوب سيكون بلا محالة أول هدف في أي نزاع بين الصينوالولاياتالمتحدة، ولوحت حينها بفرض إجراءات انتقامية، تشمل بعض العقوبات الاقتصادية. من جانبها ردت كوريا الجنوبية على انتقادات بكين تجاهها، رافضة هذه الانتقادات، وقالت: إن فشل بكين في كبح حليفتها كوريا الشمالية خلق هذا الوضع، ودعا مكتب الرئاسة الكورية الجنوبيةالصين إلى العمل بشكل أكثر جدية لكبح جارتها كوريا الشمالية، وقال: إن نظام ثاد لم يكن ضروريًّا لو لم يكن هناك تهديد من بيونج يانج، وأضاف المكتب في بيان: الإعلام الصيني وضع العربة أمام الحصان مؤخرًا، من خلال إصراره على أن قرارنا بنشر نظام ثاد هو سبب سلسلة الاستفزازات الكورية الشمالية بما في ذلك عمليات إطلاق الصواريخ البالستية. في السياق ذاته، قال مكتب رئاسة كوريا الجنوبية: إن سيول تراقب عن كثب أي تداعيات اقتصادية سلبية قد تتخذها الصين تجاه سيول، وقال مستشار الرئيسة بارك للشؤون الاقتصادية، كانج سيوج هون: بشأن العقوبات الاقتصادية المحتملة من جانب الصين، نحن نراقب الوضع عن كثب. جاءت هذه التوترات بين كوريا الجنوبيةوالصين في الوقت الذي تحاول فيه الأولى تحسين علاقاتها مع الأخيرة، حيث تعتبر بكين أكبر شريك تجاري لسيول، الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ خطوات من شأنها طمأنة التنين الصيني، حيث قال وزير خارجية كوريا الجنوبية، يون بيونغ يه: إن منظومة الردع الصاروخي الأمريكية ثاد لن تكون موجهة ضد دول أخرى، إذا تم نشرها على أراضي كوريا الجنوبية، وأضاف: بعد إعلان إمكانية نشر منظومة ثاد في كوريا الجنوبية في فبراير الماضي، أكدنا أن هذا الموقف يعتمد أساسًا على حقنا في الدفاع عن الذات من الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية الموجودة في كوريا الشمالية التي تقوم يوميًّا بزيادة قدرتها في هذا الشأن. وفي إطار محاولة استرضاء سيوللبكين، توجه ستة برلمانيين كوريين جنوبيين إلى الصين، أمس الاثنين؛ لمناقشة مسألة نشر الدرع الصاروخية الأمريكية التي تثير غضب بكين، مخالفين بذلك توجيهات سيول، حيث كانت الرئيسة الكورية الجنوبية، بارك غيون-هي، دعت النواب الستة إلى التخلي عن هذه الرحلة واتهمتهم ضمنًا بعدم الولاء لبلدهم، ورأت الرئيسة بارك أن هذه الزيارة ستأتي بنتائج عكسية، واعتبرت أن النواب أقرب إلى افتقاد حس الولاء وروح المسؤولية، مضيفة: في قضايا الأمن القومي يجب ألَّا يكون هناك خلاف بين الغالبية والمعارضة، مشيرة إلى أن بعض السياسيين يطلقون تأكيدات سخيفة تفيد بأن نشر ثاد لن يقدم سوى أعذار جديدة لكوريا الشمالية لتقوم بمزيد من الأعمال الاستفزازية، وهي ذريعة قريبة جدًّا من موقف الشمال. في المقابل أكد كيم يونغ-هو، أحد البرلمانيين الستة الذين ينتمون الى حزب مينجو الليبرالي وتوجهوا إلى بكين، أن الدافع الوحيد لتحرك الوفد هو تهدئة التوتر، وأضاف يونغ-هو: نأمل في إعادة بعض الدفء إلى العلاقات الباردة بين بكينوسيول حاليًا.