في الوقت الذي يعاني فيه المرضى بالمستشفيات من نقص الأدوية واختفائها، ولا سينا بمعاهد الأورام، تتعاظم الخلافات بين نقابة الصيادلة وشركات الأدوية ووزارة الصحة. كانت نقابة الصيادلة اتهمت وزارة الصحة بأنها تحابي شركات الأدوية، في حين حملت الأخيرة النقابة مسؤولية تضارب أسعار الدواء، وعليه تجري حملات تفتيشية علي الصيدليات. كما اشتد الخلاف أيضًا بين شركات الأدوية ووزارة الصحة؛ بسبب تصريحات الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، التي لوح فيها بإلغاء زيادة أسعار الدواء إذا لم يتم توفير الأدوية الناقصة خلال ثلاثة أشهر، ووصل الخلاف أيضا إلى النقابة مع شركات الأدوية، وعليه قاطعت "الصيادلة" عددًا من الشركات الرئيسية لرفضها تطبيق القرار رقم 499 الخاص بزيادة ربح الصيدلي. انقلاب "الصيادلة" على "الصحة" بسبب شركات الأدوية منذ إعلان وزارة الصحة عن حملات تفتيشية على الصيدليات؛ لكشف من يخالف قرار مجلس الوزراء برفع الدواء، وحالة من الغضب انتابت نقابة الصيادلة التي اتهمت وزارة الصحة بأنها السبب في التخبط الذي يعاني منه سوق الدواء. واتهمت نقابة الصيادلة الوزارة باتخاذ قرار رفع سعر الدواء دون تحديد آلية لتطبيقه، بحسب الدكتور مصطفى الوكيل، وكيل نقابة الصيادلة، الذي أكد أن الحكومة مسؤولة عن التخبط والارتباك الجاري في سوق الدواء، موضحا أن ضبط أسعار الأدوية لن يتم إلا بعد المراقبة والتفتيش على شركات الأدوية باعتبارها الأساس، مطالبا الرقابة الإدارية بضرورة محاسبة المسؤولين بالصحة بدلًا من شن هجوم على الصيدليات. ولم يتوقف الأمر علي ذلك، بل بدأ عدد من الصيادلة إلقاء اتهامات على وزارة الصحة بأنها لم تنتبه للتسعيرة الجبرية على الأدوية منذ إعلان زيادة الأسعار، ما فتح الباب أمام بعض شركات الأدوية للتلاعب في تسعير الدواء من العلبة إلى الوحدة، كما أكد بعض الصيادلة أن وزارة الصحة تخشى إجراء حملات تفتيشية على شركات الأدوية، التي يمتلك معظمها رجال أعمال يسيطرون على سوق الدواء في مصر، ما يضع الوزارة في مأزق؛ خاصة أن شركات الأدوية المصرية غير قادرة على استيراد بعض الأصناف الدوائية باهظة الثمن، ما يضع إصبع وزارة الصحة تحت ضرس الشركات التي يمتلكها رجال الأعمال. يقول أحمد حسين، صيدلي، إن وزارة الصحة ما زالت تشن حملات تفتيشية على الصيدليات دون أي تخطيط لإجراء حملات علي شركات الأدوية، مؤكدا أن الصيادلة لا يمانعون في إجراء تفتيش على الصيدليات، لكن حينما يتم تجاهل أصل الشيء يكمن السؤال: لماذا يتم تجاهل التفتيش على شركات الأدوية والتركيز على الصيدليات فقط، رغم أن الأخيرة تبيع الدواء بالسعر الذي تقره الشركات المنتجة؟ مؤكدا ل"البديل" أن بعض الشركات هددت بوقف استيراد بعض الأدوية إذا تراجعت وزارة الصحة عن قرار الزيادة. واتهم الدكتور محيي عبيد، نقيب الصيادلة، الإدارة المركزية لوزارة الصحة بأنها المتسبب الرئيسي في الخلل الموجود الآن بسوق الدواء, مؤكدا أن بعض الشركات لم تلتزم بالتسعيرة الجبرية للدواء، ما يضع الصيدلي في مأزق؛ خاصة أنه ينفذ ما تقره شركة الدواء فقط، لافتا إلى أن بعض المستلزمات الطبية غير خاضعة للتسعيرة الجبرية، ما يسبب تفاوتا في الأسعار من قبل شركات الأدوية التي تحددها حسب رغبتها، وليس حسب تسعيرة محددة. هامش الربح يشعل حربًا بين "الصيادلة" وشركات الأدوية لم ينحصر الخلاف بين نقابة الصيادلة ووزارة الصحة فقط، بل امتد أيضا إلى اشتعال حرب بين النقابة وشركات الأدوية، قاطعت على إثرها "الصيادلة" عدة شركات كبرى، أبرزها "إيفا، وجلوبال، وايبيكو، فايزر، ومالتي ايبكس، وسانوفي افنتس، وشركة توزيع مالتي فارم"، لرفضهم تطبيق القرار رقم 499، الذي يقضي بزيادة هامش ربح الصيدلي 25% للمحلي و18% للمستورد، كما توعدت النقابة أيضًا بعض شركات الأدوية بالملاحقة الشرطية؛ بسبب رفضهم تنفيذ اتفاقية غسيل السوق، التي تهدف إلى سحب الأدوية منتهية الصلاحية من السوق. ولم تنته الخلافات عند هذا الحد فقط، بل أكد مصدر بوزارة الصحة ل"البديل" أن بعض شركات الأدوية هددت وزارة الصحة بعد تصريحات عماد الدين، التي لوح من خلالها بإلغاء زيادة أسعار الأدوية إذا لم تلتزم الشركات المنتجة بتوفير مستحضراتها الناقصة خلال الثلاثة أشهر المقبلة. ورفضت الشركات المنتجة التلويح بإلغاء زيادة أسعار الدواء بعد أن دفعت رسوم تغيير التسعيرة الجبرية، التي تصل إلى ألف جنيه، ما يعني أن التراجع عن قرار رفع أسعار الأدوية قد يكلف الشركات خسارة فادحة، الأمر الذي يضع وزارة الصحة في مأزق؛ خاصة أن بعض الشركات لوحت بسحب بعض الأدوية الحيوية من السوق، التي لا تستوردها ولا تستطيع الشركات الحكومية تصنيعها، ما يضع وزارة الصحة في مأزق. ووصف الدكتور علي عوف، رئيس شعبة تجارة الأدوية، تصريحات الوزير بإلغاء زيادة الدواء إذا لم تلتزم الشركات المنتجة بتوفير الأصناف الناقصة خلال ثلاثة أشهر ب«جريئة ومنطقية»، قائلا إن عملية تجهيز الأدوية وتوفيرها لن تقل عن شهرين أو ثلاثة؛ نظرا لاستيراد المواد الخام من الخارج، وأن الخطوة تعوض الشركات الخاسرة. وأوضح عوف ل«البديل» أن عددا من شركات الأدوية اعترض على بعض الخطوات التي تصاحب عملية التسعير الجبرية؛ خاصة أنه عند استلام إخطار بالتسعير تدفع الشركة مبلغ ألف جنيه، الأمر الذي تعترض عليه الشركات التي لم يحرك بعضها أسعار الدواء، ومازالت تكلفة تصنيعها تفوق حتى الزيادة التي أقرها وزير الصحة. ولفت رئيس شعبة تجارة الأدوية إلى أن الشركات معترضة علي عدم تطبيق القرار 499 برمته، الذي يقضي بتطبيق الزيادة لصالح الصيدلي والموزع والمنتج، لكن وزارة الصحة نفذت الجزء الخاص بالصيدلي فقط، دون النظر إلى الشركات أو الموزعين، ما أثار غضب بعض شركات الأدوية. نسبة وفاة الأطفال بسبب نقص الدواء في زيادة مستمرة أكد محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، أن عشرات الأطفال راحوا ضحية الصراعات بين وزارة الصحة وشركات الأدوية، نتيجة نقص أدوية الأورام التي مازالت مختفية من المستشفيات، في الوقت الذي تغرق فيه السوق السوداء، موضحا أن وزارة الصحة والجهات الرقابية يغفلون هيمنة السوق السوداء علي الكثير من الأدوية، المعالجة للأورام السرطانية، مثل "اندوكسان" الذي يباع عبر صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" ب500 جنيه. وأضاف فؤاد ل"البديل" أن عدم الرقابة على الشركات الخاصة من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات، أدى إلى عدم وجود أي آلية لتنظيم وجود الأدوية، ومن ثم ندخل دائرة نقص الأدوية في المستشفيات والصيدليات وتوافرها بالسوق السوداء، مؤكدا أن عددا من الشركات المنتجة كانت تعلم مسبقًا بالزيادة في أسعار الدواء، ما جعلها تحتكر بعض الأصناف حتى تبيعها بالتسعيرة الجبرية الجديدة بعد أن غيرت في حجم وكمية العلبة، لتكون الزيادة على التجزئة، وليست على العلبة كلها. وطالب مدير المركز المصري للحق في الدواء، الدولة بضرورة وضع آلية لتنظيم الزيادة، بعد حدوث تضارب في السوق وقع على رأس المواطن، بحسب تعبيره، وأدى إلى اختفاء الأدوية، مختتما: "للأسف، القادم أسوأ, فعدد الأطفال الذين يموتون نتيجة نقص الأدوية في زيادة مستمرة، ووزارة تتجاهل ذلك".