أزمة دبلوماسية جديدة ربما تعصف بالعلاقات التركية القبرصية، التي تشهد توترًا من الأساس، يرجع إلى أكثر من 40 عامًا مضت، حيث أقدمت الحكومة التركية على خطوة أحرجت من خلالها الرئيس القبرصي، نيكوس أناستاسيادس، خلال زيارته لأنقرة، عندما دعت خصمه اللدود زعيم القبارصة الأتراك، مصطفى إكينجي، إلى حضور عشاء رسمي أقامه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خرق بروتوكولي واضح. وهو الأمر الذي أغضب أناستاسيادس، ودفعه إلى قطع زيارته والعودة فورًا إلى بلاده، حيث قال لمبعوث الأممالمتحدة عندما اتصل به ليخبره بدعوة إكينجي لحضور العشاء: «تمتعوا بعشاء لطيف. أنا لن آتي». وأكد مسؤولون أن أناستاسيادس غادر تركيا، وتوقف لوقت قصير في أثينا. يأتي ذلك خلال مشاركة رئيس القبارصة اليونانيين، نيكولاس أناستاسيادس، مع زعيم القبارصة الأتراك، مصطفى إكينجي، في محادثات إعادة توحيد قبرص، كل منهما بصفته زعيمًا للقبارصة، حيث يرأس أناستاسيادس جمهورية قبرص المعترف بها دوليًّا، وتغضبه أي محاولة واضحة لوضعه على قدم المساواة مع إكينجي في أي مناسبة دولية. يبدو أن الموقف التركي الذي أحرج الرئيس القبرصي لن يمر بسهولة، حيث ألغى أناستاسيادس اجتماعًا مع مبعوث الأممالمتحدة الخاص لقبرص، أسبين بارث إيدي، كان مقررًا أن يعقد الخميس، وقال المتحدث باسمه إنه ألغى أيضًا اجتماعًا مع زعيم القبارصة الأتراك كان من المقرر أن يُعقد أمس الجمعة، مضيفًا أنه لا توجد أرضية خصبة لعقد مثل هذا الاجتماع. في الإطار ذاته قال رئيس جمهورية شمال قبرص التركية، مصطفى أكينجي إن الطلب الأساسي للقبارصة الأتراك هو أن يكون لنا حقوقنا، مشيرًا إلى أن هذه الجزيرة ملك للطائفتين، والقبارصة الأتراك هم جزء من هاتين الطائفتين، وأضاف أكينجي: نحاول إيجاد جمهورية موحدة فيدرالية بعد 53 عامًا، بدون أن تكون هناك حكومة شرعية معترف بها دوليًّا، ونريد المساواة السياسية وأن نعيش كمجتمع حر، وألَّا نكون خاضعين لتهديد من طائفة أو طرف آخر أيًّا كان. وأعرب أكينجي عن خيبة أمله لإلغاء الاجتماع مع الرئيس القبرصي، والذي كان سيتم فيه تقييم التقدم في المحادثات بين الجانبين، مبينًا أن تحقيق تقدم في المحادثات بين شطري الجزيرة القبرصية اليوم أفضل من الغد، متمنيًا أن يشهد العام الحالي انفراجة في الأزمة. وبشأن استقبال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، له في إسطنبول بالتزامن مع الرئيس القبرصي، قال أكينجي: إنه ذهب إلى تركيا بناء على دعوة من أردوغان، وشارك في حفل عشاء رسمي، مضيفًا أنه انتهز فرصة وجود الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، لتبادل الآراء معه بشأن الوضع القائم حاليًّا في قبرص. تعد القضية القبرصية من أقدم القضايا المطروحة على الساحة الأوروبية، حيث بدأت الأزمة التركية القبرصية عام 1974، عندما أمر رئيس الوزراء التركي آنذاك، بولنت أجاويد، قوات الجيش بالتدخل عسكريًّا في قبرص؛ ردًّا على انقلاب قام به قوميون قبارصة يونانيون على الرئيس المنتخب مكاريوس، بأمر من أثينا؛ بهدف ضمها إلى اليونان، وهنا قُسمت الجزيرة المتوسطية إلى قبرص يونانية وأخرى تركية. وفي 15 نوفمبر عام 1983 تم الإعلان عن إنشاء جمهورية شمال قبرص التركية، لكنها لا تحظى باعتراف دولي سوى تركيا فقط، بينما تحظى قبرص اليونانية باعتراف المجتمع الدولي بأجمعه، كما أنها عضو في الاتحاد الأوروبي. في مايو عام 2015، انطلقت عملية دبلوماسية بين رئيس جمهورية قبرص، نيكوس أناستاسيادس، ونظيره في جمهورية شمال قبرص التركية المعلنة من جانب واحد، مصطفى أكينجي، ورغم أنها كانت بطيئة بسبب حملة الانتخابات التشريعية في الجانب اليوناني من الجزيرة، إلا أنها بعثت الآمال في توصل المفاوضات برعاية الأممالمتحدة، وبدعم من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلى اتفاق سلام. استغلت قبرص اليونانية اعتراف المجتمع الدولي بها وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، لتقف عقبة رئيسية أمام محاولات تركيا الحثيثة الانضمام للاتحاد الأوروبي، حيث هددت قبرص في مارس الماضي قبل عقد القمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، بعرقلة مشروع الاتفاق بين الدول ال28 وأنقرة، الهادف إلى وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، وقال الرئيس القبرصي حينها إن بلاده لا تعتزم الموافقة على مشروع الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا حول الهجرة، في ظل غياب تنازلات من تركيا تجاه الجزيرة، وأضاف أن قبرص لا تعتزم الموافقة على فتح فصول جديدة في مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ما لم تحترم تركيا التزاماتها.