يشهد الوضع الداخلي في ليبيا مزيدًا من التصعيد، فلا يزال الانقسام يسيطر على الأوضاع في ليبيا، في الوقت الذي تتصارع فيه ثلاث حكومات «حكومة الوفاق الوطني وحكومة طبرق وحكومة الإنقاذ الليبي» على إثبات شرعيتها لحكم البلاد، بينما تواصل الجماعات الإرهابية والمسلحة كداعش سيطرتها على الأرض. وانعكس الصراع بين الحكومات الثلاث على المحاور الدبلوماسية والنقدية والعسكرية. الدبلوماسية.. تعيين سفيرين طلب رئيس الحكومة الليبية المؤقتة ومقرها مدينة البيضاء، عبد الله الثني، من رئيس مجلس الوزراء المصري شريف إسماعيل، وقف الإجراء الذي اتخذته وزارة الخارجية المصرية بشأن اعتماد مرشح المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، طارق شعيب، قائمًا بأعمال السفارة الليبية في القاهرة، وأضاف الثني في رسالة وجهها لرئيس وزراء مصر: «كما أكدنا بأننا لن نتردد في تسليم ما بعهدتنا لحكومة الوفاق الوطني، حالما يتم اعتمادها من مجلس النواب، وإلى ذلك الحين ووفقًا لكل الأعراف الدولية واحترامًا لإرادة شعبنا في اختياره لنوابه، تظل الحكومة المؤقتة هي الحكومة الشرعية»، وطالب الثني باعتماد محمد صالح الدرسي قائمًا بأعمال السفارة الليبية. وكان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني قد طلب من وزير الخارجية المصري، في السابع عشر من مايو الماضي، وقف اعتماد ممثل حكومة الثني قائمًا بأعمال السفارة الليبية لدى القاهرة، وتكليف طارق شعيب بديلًا عنه. ويبدو أن حالة الصراع على السلطة في ليبيا انتقلت إلى الدبلوماسية بصورة أكثر تعقيدًا، فرفض الحكومة الليبية المؤقتة إعلان الخارجية المصرية اعتماد طارق الشعيب ممثلًا معتمدًا من قِبَل حكومة الوفاق الوطني المقترحة من بعثة الأممالمتحدة برئاسة فائز السراج، ينذر بوجود خلافات كبيرة في الخارطة السياسية الليبية، خاصة أن عقيلة صالح رئيس مجلس النواب المنتخب، المنبثقة عنه الحكومة المؤقتة، يصر على أن يحضر أعضاء حكومة الوفاق إلى مقر المجلس في البيضاء للحصول على ثقته قبل أن تباشر عملها، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن. النقدية.. عملتان ليبيتان تدخلت السفارة الأمريكية في ليبيا في خلاف نشب بين المصرفين المركزيين المتنافسين في البلاد حول 4 مليارات دينار ليبي مطبوعة في روسيا، حيث يوجد البنك المركزي «الموازي» الذي يتخذ من البيضاء مقرًّا له، والبنك المركزي الليبي، الذي يتخذ من طرابلس مقرًّا له. حيث أصرت السفارة الأمريكية على أن الأوراق النقدية التي طبعتها شركة روسية تلبية لطلب البنك المركزي «الموازي» تعد مزورة، وأكدت السفارة أن بنك ليبيا المركزي ومقره طرابلس هو المؤسسة المصرفية الوطنية الوحيدة التي تعمل تحت إشراف وإدارة حكومة الوفاق الوطني. وجاء في بيان أصدرته السفارة، أمس الخميس، أنها تلقت يوم الاثنين الماضي رسالة رسمية من المجلس الرئاسي الليبي، جاء فيها أن علي الحبري، رئيس البنك المركزي الموازي، «قد عمد – مدعيًا التصرف بصفة محافظ مصرف ليبيا المركزي – إلى إبرام اتفاق مع شركة روسية لطباعة وتسليم كمية كبيرة من الأوراق النقدية الليبية». وعقبت السفارة الأمريكية على هذه الخطوة بأن «الولاياتالمتحدة توافق المجلس الرئاسي وجهة نظره بأن هذه الأوراق النقدية ستكون مزورة، ويمكن أن تقوض الثقة الممنوحة للعملة الليبية وكذلك قدرة مصرف ليبيا المركزي على إدارة السياسة النقدية بشكل فعال لتمكين الانتعاش الاقتصادي». من جانبه اعتبر علي الحبري محافظ البنك الموازي، المعين من قِبَل مجلس النواب في طبرق بيان السفارة الأمريكية «تدخلًا سافرًا في شؤون الدولة الليبية»، واستغرب الحبري في بيان له وصف المجلس الرئاسي له بأنه يدعي امتلاكه لصفحة محافظ البنك المركزي قائلًا: «إن قرار تعييني صدر من مجلس النواب الجهة المخولة بتعيين محافظ البنك المركزي، ولم يصدر أي قرار يقيلني لا من النواب ولا من المجلس الرئاسي الذي حرص على عقد اجتماعات معي خلال الأيام الماضية في طرابلس». وترى صحف متخصصة أن طباعة 4 مليارات دينار ستتسبب في إغراق البلاد بالعملات المتضاربة غير القابلة للتبديل في البنوك، مما يزيد معدلات التضخم، محذرة من «فوضى اقتصادية» تضرب البلاد، خاصة بعد تهديد فرعي المصرف المركزي بطرح ملايين العملات المتضاربة. وكان مجلس النواب قد أقال محافظ البنك المركزي في طرابلس «الصديق الكبير» في إبريل من العام الماضي، وعين نائبه علي الحبري محافظًا للبنك المركزي، وهو القرار الذي شق وحدة إدارة المركزي باستمرار الكبير في إدارة البنك من طرابلس تحت سيطرة المؤتمر الوطني السابق وحكومته، بينما اتخذ المحافظ المعين من مجلس النواب البيضاء شرق البلاد مقرًّا له لممارسة أعماله كمحافظ شرعي. العسكرية.. ثلاثة جيوش ليبية بعد أن أعلن خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي التابع لحكومة طبرق، إطلاق عملية عسكرية لتحرير مدينة سرت من «داعش»، سارعت حكومة الوفاق هي الأخرى إلى تشكيل غرفة عمليات لتحرير المدينة، وحظر بيان للمجلس الرئاسي على أي قوات نظامية أو شبه نظامية القيام بأي عمليات في المنطقة الممتدة من سرت إلى مصراتة، في خطوة مضادة لتحرك حفتر. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، حيث أعلنت الحكومة الليبية الثالثة، حكومة الإنقاذ المتمركزة بطرابلس، تشكيل «غرفة عمليات تحرير سرت» من القوات التابعة لها، مما يعني أن ثلاثة جيوش تستعد لتحرير المدينة، والحكومات الثلاث تتنافس ليس فقط على الشرعية السياسية في البلاد، بل وعلى الأحقية في مقاتلة «داعش».