لم يعد خافيًا وجود انقسام داخل الكيان الصهيوني بين القيادة السياسية ونظيرتها الأمنية، ويبدو أن هذه الخلافات في طريقها إلى التصعيد والتفاقم، فبعد أن كانت تقتصر على تصريحات من مسؤولين في جيش الاحتلال أغضبت رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، تطور الأمر ليصبح الخلاف بين أعلى قيادتين في الكيان المحتل، وزير الحرب، ورئيس الوزراء الصهيوني. دعا وزير الحرب الإسرائيلي، موشيه يعالون، أمس الأحد، ضباط الجيش الإسرائيلي إلى الجهر بآرائهم حتى إذا تعارضت مع آراء القيادة السياسية، قائلا خلال حفل استقبال في مقر وزارته بمناسبة النكبة الفلسطينية التي تحتفل بها إسرائيل باعتبارها "عيد الاستقلال" الصهيوني، وضم الحفل كبار الضباط في الجيش: "استمروا في قول ما تفكرون به وافعلوا ذلك حتى لو لم تكن تصريحاتكم تتفق مع التيار الأكثري أو مع مواقف وأفكار قادتكم أو القيادة السياسية.. كونوا شجعانًا في ميدان المعركة كما على طاولة المحادثات، الجيش الجيد هو الجيش الذي يشعر فيه قادته أن بإمكانهم أن يسمعوا أصواتهم في أي وقت كان". تصريحات وزير الدفاع الصهيوني أثارت غضب واستياء رئيس الوزراء، الذي استدعى يعالون إلى مكتبه لتوضيح ما قاله خلال الحفل، فقالت صحيفتا "يسرائيل هيوم" و"يديعوت أحرونوت"، إن رئيس الوزراء غاضب على وزير الجيش، حيث يرى نتنياهو أن يعالون حاول إعادة إعلاء القضية في محاولة لجمع النقاط على حساب نتنياهو والتظاهر بأنه المسؤول البالغ. وتحدثت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن وجود انشقاق بين الطرفين، قائلة إن العلاقات المتوترة بينهما تقترب من نقطة الانفجار، وذهبت الإذاعة الإسرائيلية العامة إلى ما هو أبعد من التوبيخ، حيث لفتت إلى أن تفاقم الخلاف بين الطرفين، جاء بعد أن علم يعالون بوجود اتصالات تجري في الكواليس لتشكيل حكومة وحدة قومية، يريد خلالها نتنياهو استبعاد يعالون من منصبه لصالح ضم حزب إسرائيل بيتنا اليميني المعارض إلى الائتلاف الحكومي، وإسناد حقيبة الدفاع إلى زعيم الحزب ووزير الخارجية السابق، أفيغدور ليبرمان. تأتي هذه التطورات التي تهدد بانقسام جيش الاحتلال كتصعيد جديد للخلاف الذي وقع منذ أيام بين نائب رئيس الأركان، يائير جولان، ورئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، وهو الخلاف الذي اندلع بين الطرفين إثر دعوة جولان إلى ما وصفه ب"فحص الضمير الوطني"، قائلًا: "إذا كان هناك شيء يخيفني في ذكرى المحرقة، فهو بالتأكيد العمليات المروعة التي حدثت في أوروبا عمومًا وألمانيا خصوصًا قبل 90 عامًا، والعثور على مؤشرات منها بيننا اليوم في عام 2016". وتابع جولان في تصريحاته المثيرة للجدل: "نؤمن حقًا بعدالة طريقنا، لكن ليس كل ما نفعله هو عادل"، مضيفا: "قوة الجيش الإسرائيلي تتمثل في قدرته على إجراء تحقيق شامل ومعاقبة المخطئين وتحمل مسؤولية الجيد والسيئ، من دون تبرير أفعالهم أو محاولة تغطيتها". التصريح غير المألوف بالنسبة لقائد عسكري صهيوني، الذي شكّل اعترافا إسرائيليا بالانتهاكات الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني، أثار حفيظة العديد من المسؤولين في الكيان الصهيوني وعلى رأسهم نتنياهو، الذي وجه توبيخا مباشرا لجولان، قائلا إن المقارنة التي قام بها جولان بين الكيان الصهيوني وربطها بالنازية، تنقص من قيمة المحرقة وبسمعة جيش الاحتلال الصهيوني، مؤكدًا أنها صادمة وشائنة ولا أساس لها وابتذلت الهولوكوست وسببت ضررًا لإسرائيل، وأضاف: "نائب قائد الجيش له العديد من الحقوق، لكن تصريحاته بشأن هذا الموضوع خاطئة تمامًا، وأنا لا أقبلها". امتد الخلاف بين الطرفين وتشعب أكثر داخل الأوساط الصهيونية، حيث خرج من إطار جولان ونتنياهو ليصل إلى بعض رموز المعارضة الصهيونية التي دافعت عن موقف نائب رئيس الأركان، وكان في مقدمتهم وزير الدفاع الصهيوني، موشية يعالون، الذي أكد أن جولان يحوز ثقته التامة، في الوقت الذي طالبه البعض بإقالته، كما دافع زعيم المعارضة الصهيونية، يتسحاق هرتسوج، الذي قال إن محاولة نتنياهو تهديد وإسكات ضباط الجيش الإسرائيلي هو أمر خطير وغير مسبوق. الخلاف بين نتنياهو ويعالون وتضارب مواقفهما السياسية لم يكن وليد تصريحات نائب رئيس الأركان، يائير جولان، بل ظهر منذ أشهر عندما التقى نتنياهو مع لواء المظليين في هضبة الجولان المحتلة من دون أن يرافقه وزير الدفاع، كما ظهر مجددًا حينما استنكر يعالون سلوك الجندي القاتل، اليؤور أزاريا، الذي أطلق النار على الشهيد الفلسطيني الجريح في الخليل، بينما اتصل نتنياهو بوالد الجندي وعبر عن دعمه له. وكانت صحيفة "معاريف" العبرية كشفت في مطلع أبريل الماضي عن خلافات بين رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه، حول مسألة حرية حركة القوات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المصنفة (أ)، الخاضعة لسيطرة أمنية فلسطينية، وأوردت الصحيفة ما مفاده بأن يعالون يؤيد تقديم تنازل معين للجانب الفلسطيني يتمثل بتحديد نشاط الجيش الإسرائيلي في مناطق السلطة الفلسطينية (أ)، في حين يرفض رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هذا الاقتراح بشكل قاطع، مطالبًا بالحفاظ على حرية حركة الجيش في المناطق الفلسطينية.