تردد الحديث في الآونة الأخيرة حول وجود صفقة بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين , والحقيقة لقد بدا منذ اللحظة الأولى لسقوط النظام أن المجلس العسكري انحاز لجانب الإخوان وهو ما يمكن تفسيره في تقديري بأحد احتمالين الأول أن المجلس العسكري قد بنى حساباته تجنبا للصدام مع الإسلاميين وفق لعبة التوازنات السياسية المعقدة علما بأن قاعدتهم الشعبية مخيفة ولديهم مال وسلاح فضلا عن أنهم كثيرا ما يلوحون بلغة التهديد في تصريحاتهم مثل :”سنقدم شهداء في سبيل تطبيق الشريعة الإسلامية” , الاحتمال الثاني وهو الأرجح أن ثمة صفقة فعلا بين المجلس العسكري والإخوان , بيد أن ثمة شواهد كثيرة تؤكد الاحتمال الثاني تتمثل فيما يلي : 1_تشكيل لجنة تعديل الدستور برئاسة المستشار طارق البشري (المفكر الإسلامي) المعروف بميوله الاخوانية كما ضمت اللجنة الأستاذ صبحي صالح القطب البارز بجماعة الإخوان المسلمين؟! , ولا يعرف أحد حتى الآن ما هي المعايير التى استند إليها المجلس العسكري في تشكيل اللجنة واختيار أعضائها؟! 2_ لقد بدا موقف الإخوان إبان الاستفتاء متوحدا بشكل غريب مع موقف المجلس العسكري في توجيه الناس للتصويت بنعم وتم شن حملة تضليل قذرة تدعي أن التصويت بنعم واجب شرعا بينما التصويت بلا حرام! , وهو ما يعني وفقا لهذا المسار أن تعود شرعية دستور 1971 باستثناء المواد المعدلة ثم يقضي بأن تتم الانتخابات البرلمانية أولا ثم يقوم الأعضاء المنتخبين بوضع الدستور! 3_انحاز المجلس العسكري لخيار (الانتخابات أولا) بدلا من (الدستور أولا) مع أن العقل والمنطق يقضي بأن يوضع الدستور أولا وعلى أساسه تتم الانتخابات! , وهو الخيار الذي يصب مباشرة في صالح الإسلاميين وخاصة جماعة الإخوان إذ تعد بحكم تنظيمها الطرف الأكثر استعدادا لخوض الانتخابات ومن ثم الأكثر ترشيحا للفوز بأغلبية مقاعد البرلمان وقد كان! 4_انصاع المجلس العسكري لرأى الإسلاميين فيما يتعلق برفض المبادئ الأساسية للدستور التى تضمن مدنية الدولة خلافا لكل القوى المدنية! 5_لقد تورط الإسلاميين في حملة المجلس العسكري لتشويه صورة الثوار إذ باستثناء جمعة 29يوليو المعروفة إعلاميا بجمعة قندهار وكذلك جمعة 18 نوفمبر فقد قاطع الإسلاميون معظم التظاهرات المليونية التي قامت ضد المجلس العسكري رغم مشروعية مطالبها , ولم يكتفوا بالمقاطعة بل وشنوا حملة قذرة ضد المشاركين فيها كما قام بعضهم بتحريم المشاركة فيها باعتبارها خروج محرم على الحاكم! 6_سمح المجلس العسكري بقيام أحزاب على أساس ديني رغم أن قانون الانتخابات يحظر تشكيل أحزاب على أساس ديني أو عرقي! 7_قام المجلس العسكري بغض الطرف عن كم تجاوزات الإسلاميين إبان الانتخابات ناهيك عن تهاونه بشأن إشعالهم فتن طائفية مثل حادثة كنيسة صول وإمبابة! والأهم من كل ما سبق أن أعلن بعض قادة جماعة الإخوان مؤخرا عن خروج امن للمجلس العسكري وهو ما يعني أن يخرج المجلس العسكري من الساحة السياسية بأمان دون أن يحاسبه أحد على أي جرائم كان قد ارتكبها في السابق! ,الأمر الذي أثار ضجة كبيرة , والحقيقة أنني لم أفاجأ مطلقا بموقف الإخوان فالمتابع لتاريخ الجماعة يدرك أنها تضع مصلحتها الشخصية فوق أي اعتبار وعلى استعداد للتحالف مع الشيطان من أجل مصلحتها فقد تحالفوا مع ثورة يوليو في البداية قبل أن ينقلبوا على زعيمها جمال عبد الناصر كما تحالفوا مع السادات ولم يشاركوا في انتفاضة يناير قبل أن ينقلبوا عليه أيضا , والغريب أنهم رغم كل ما قاسوه في عصر مبارك من انتهاكات فلم يتورعوا عن عقد صفقات مع نظامه كان آخرها قبولهم المشاركة في انتخابات 2010 المزورة رغم علمهم بتزويرها خلافا لقرار الجمعية الوطنية للتغيير التي أعلنت آنذاك مقاطعة الانتخابات , وبذلك فقد قدم الإخوان ومعهم الأحزاب المشاركة وفي مقدمتها حزبا الوفد والتجمع غطاء سياسي لنظام مبارك يحتمي به ويضفي على الانتخابات نوع من الشرعية! , وأخيرا قرار مكتب الإرشاد بمقاطعة مظاهرات 25 يناير قبل أن تتحول إلى ثورة! لا أحد يعرف بالضبط ما طبيعة وماهية الصفقة بين المجلس العسكري والإخوان ولا علام تنص؟! , غير أنني اعتقد أنها تقضي بإعطاء البرلمان للإسلاميين في مقابل منح امتيازات للمؤسسة العسكرية في الدستور الجديد فضلا عن تأمين خروج المجلس العسكري , وهو ما صرح به مؤخرا الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر عقب لقائه المشير طنطاوي وأعضاء المجلس العسكري إذ أعرب عن تشككه في أن فى أن يسلم المجلس العسكرى السلطة كاملة لحكومة مدنية فقال:”لا أعتقد أن المجلس العسكرى سيسلم المسؤولية لحكومة مدنية، بل سيحتفظ لنفسه ببعض الامتيازات، وسيقوم بحمايتها على الأرجح”, وأكد أن الحكام العسكريين شددوا أكثر من مرة خلال اللقاء على عزمهم عقد «اتفاق متناغم» مع المدنيين المنتخبين والواقع أن مسألة الخروج الآمن للسلطة العسكرية كما يقول الدكتور عمرو الشوبكي ليست بدعة فقد شهد تاريخ الثورات تسويات تاريخية بين الثوار المدنيين والسلطة العسكرية وفي هذا ربما وتقترب مصر من تجربتى البرتغال (قام الجيش بانقلاب ثورى فى 1974 وبعد 8 سنوات من الجدل سلم السلطة عام 1982 للمدنيين) وتركيا التي قام فيها حزب العدالة والتنمية بإخراج الجيش العلماني من الساحة السياسية انتصارا لقيم ومبادئ الديمقراطية , غير أن ذلك مشروط في نظري بعدم تورط المؤسسة العسكرية في جرائم جنائية ناهيك عن جرائم ضد الإنسانية! , وحيث أن السلطة العسكرية في مصر قد تورطت في قتل المتظاهرين السلميين فلا مناص من معاقبة المسئولين عن قتل المتظاهرين أيا كانت مناصبهم أو مواقعهم , وإذا كان الإخوان قد فرطوا في دم الشهداء فلن يدع الشعب المصري دم الشهداء يضيع هدرا بقلم إسلام أحمد