جاء مقتل الشاب المصري شريف عادل ميخائيل لحياته إثر احتراقه داخل سيارة بجراج عام بإحدى ضواحي لندن أمس، ليثير رد فعل غير معتاد من أجهزة الدولة التي رأت في الواقعة فرصة لتخليص خصوماتها مع بريطانيا، خاصة بعد موقفها من حادث الطائرة الروسية؛ ليزيد الموقف اشتعال الأزمة السياسية بين مصر وبريطانيا أكثر مما هي عليه. وكانت بريطانيا قد قررت وقف رحلاتها إلى مصر، وأعلنت وجود شبهة عمل إرهابي وراء سقوط الطائرة الروسية بسيناء، أثناء تواجد الرئيس السيسي في زيارة رسمية لبريطانيا مطلع ديسمبر الماضي. بعد مرور ساعات من إعلان وفاة الشاب، بادرت الخارجية المصرية بالإعلان عن أن الحادث «جنائي»، كما قال المستشار أحمد أبو زيد المتحدث باسم الخارجية في مداخلة هاتفية ببرنامج «الحياة اليوم» إن الأمر يتطلب تحقيقات، وإن تقوم بعمل متابعة كاملة لهذا الأمر، وفور العثور على أي معلومة ستبلغ الرأي العام المصري؛ للوقوف على الحقيقة بكل شفافية وصدق. وبعد تصريحات الخارجية بقليل أصدرت رئاسة الجمهورية بيانًا "تهيب بالسلطات البريطانية المعنية القيام ببذل العناية الواجبة وتكثيف تحرياتها وجهودها؛ من أجل الكشف عن غموض هذا الحادث واستجلاء أسباب وقوعه، وتحديد الجناة وإلقاء القبض عليهم؛ لينالوا عقابًا رادعًا بموجب القانون، أخذًا في الاعتبار الحق الأصيل لأسرة المواطن المصري الفقيد في التعرف على أسباب وفاته وتحقيق القصاص العادل"، وذلك بعد أن تقدمت رئاسة الجمهورية بالتعازي لأسرة المواطن. وعن التصرف الرسمي إزاء هذه الأزمة مقارنة بأزمة الإيطالي ريجيني قال الدكتور أحمد دراج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الأزمة أديرت بطريقة أقل من «الصبيانية» أكثر لا إدارة شأن دولة، فقد سُيرت بطريقة المكايدة، لأنه لم يمر ساعات على وقوع الحادث حتى تم القول بأن وراءه شبهة جنائية، كما أن التحقيقات البريطانية تحركت عقب الحادث، وبدأوا يتوصلون إلى مؤشرات حول مقتل الشاب، في الوقت الذي ما زلنا حتى الآن لم نصل إلى شيء في تحقيقات مقتل الطالب ريجيني. وأضاف أن تسيير مثل هذه الحوادث في الدول الراشدة يدار برجال لديهم رشد في توجيه سياسة الدولة، خاصة فيما يتعلق بقضايا أطرافها دول أخرى، فلا تكون عملية الإدارة بهذا التسرع لإصدار الأحكام، فهناك فرق بين المطالبة بالتحقيق ومعرفة الحقيقة وبين التصنع ومحاولة الانتقام كما لو أن هناك خصومة شخصية، متابعًا أنه على أقل تقدير تمنح الدولة فرصة أسبوع للكشف عن نتائج التحقيقات في مثل هذه القضايا، موضحًا أن الأمر كان يقتضي أن نتعامل مع الأزمة بطريقة أكثر حنكة على الأقل لاحترام أنفسنا في حال إذا ما كانت نتائج التحقيقات على غير المتوقع من جانب مصر، وفي هذه الحالة سوف يكون موقف الدولة محرجًا. وقال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، يفترض أن تقوم كل دولة بحماية مواطنيها عند تعرضهم لأي مكروه داخل أو خارج أوطانهم، فتحدد الدولة أسباب هذا المكروه، وإذا كانت هناك شبهة جنائية، يتعين أن تتعقب المجرمين، وإذا وقعت الجريمة بدولة أخرى، وجب الاتصال عبر القنوات الدبلوماسية لمعرفة ما حدث، لافتًا إلى أن هذه مسؤولية طبيعية للدول بشكل عام. وأضاف "لم نرَ الدولة تتحرك مثلًا عندما قتل أشخاص وقيل إنهم انتحروا، وثار لغط حولهم، كأشرف مروان أو سعاد حسني ببريطانيا، فالدولة لم تقم بواجبها نحوهم، ولم تشف "غليل" مواطنبها، ولم تطلب من بريطانيا رسميًّا أن توافيها بالتحقيقات إذا كانت هناك شبهة جنائية أم لا، ومن وراءه، موضحًا أن المشهد يوضح الارتباك العام لدى الدولة. واستبعد نافعة أن يكون الحادث سياسيًّا، كما حدث مع الطالب الإيطالي قائلًا إن مشكلة ريجيني أنه ليس حادثًا وقع لمواطن أجنبي، لكن هناك شبهة سياسية حوله، فالمواطن الإيطالي كان باحثًا، وكانت له مواقف، وانتمي إلى جامعات مرموقة، سواء في الداخل أو الخارج، وبالتالي هناك شبهة سياسية وراء الحادث، مرجحًا أن الشاب المصري الذي قتل في لندن ليس وراءه شبهة سياسية. إعلاميًّا.. دارات عجلة برامج التوك شو بالقنوات الفضائية للسير في نفس الاتجاه، بعد أن حشد بعض الإعلاميين كلماتهم وبرامجهم، حيث قال النائب البرلماني مصطفي بكري إن هناك علامات استفهام كثيرة تحتاج إلى إجابات واضحة، مطلقًا عليه «ريجيني المصري»، مطالبًا الجميع أن يتعاملوا مع القضية بنفس الأهمية التي حظيت بها قضية الشاب الإيطالي، لافتًا إلى أن بريطانيا من أولى الدول التي طالبت مصر بالإفصاح عن مقتل الشاب الإيطالي. وأضاف بكري، في مداخلة هاتفية، أنه تقدم بطلب إحاطة عاجل لوزير الخارجية؛ لمناقشة التحركات التي تتم على أرض الواقع؛ للوصول لحقيقة مقتل شاب مصري ببريطانيا محترقًا ومتفحمًا بما يبرهن على أن هناك هدفًا من إخفاء معالم الجثة. وتابع النائب البرلماني"نحن شعب مصر نطالب بريطانيا أن تكشف حقيقة مقتل المواطن المصري بكل شفافية. في نفس الاتجاه تحدث الإعلامي أحمد موسى، ببرنامجه "على مسئوليتي" الذى يذاع على قناة "صدى البلد"، قائلًا "إن دم المهندس المصري شريف عادل ميخائيل غالٍ ولن يضيع هدرًا، وإن لندن عاصمة الجرائم الغامضة، ويجب معرفة الحقيقة كاملة، وإن ال90 مليون مواطن مصري يريدون كشف حقيقة جريمة قتل المهندس المصري عادل ميخائيل في لندن، خاصة أن الشعب المصري لن يصمت على جريمة قتل المهندس المصري في لندن، ولا بد أن ترسل مصر فريقًا من المحققين لكشف ملابسات الجريمة؛ وذلك لأن الدولة المصرية لن تفرط فى دمائه". وأضاف أن الشرطة البريطانية فشلت في تحديد مرتكب الجريمة، مشيرا إلى أنه يجب أن تتحرك السفارة المصرية مع الخارجية؛ من أجل معرفة سبب مقتله. وعن هذا قال الدكتور أحمد دراج ل "البديل" إن مطالبة الإعلاميين بمعرفة أسباب الحادث أمر طبيعي، لكن هذه النعرة الإعلامية لم نرَها في مواقف أخرى لمصريين لقوا مصرعهم بالخارج، موضحًا أن ظهور "النعرة الكدابة" من بعض الإعلاميين والذين تقدم بعضهم بطلب إحاطة للخارجية حول الشاب، لم يتم التقدم بها أمام المجلس لمئات المشاكل الموجودة بالدولة، وهو ما يوضح تردي أداء بعض الإعلاميين، معقبًا "للأسف البطحة على رءوسنا، وبنحاول نلبس الموضوع للآخرين". وأكد الدكتور حسن نافعة ل"البديل" أنه عُرف عن الدولة المصرية تقليديًّا أنها لا تهتم بمواطنيها في الخارج على الإطلاق. فكم من مواطنين قتلوا بالخارج، ووصل الأمر في مرحلة من المراحل أن الأكفان كانت تأتي بكثافة من العراق دون أن تحرك الدولة ساكنًا، والآن ربما بسبب مقتل ريجيني في القاهرة تريد الدولة أن تلقي الأضواء على أن القتل لا يحدث في مصر فقط، وإنما يمكن أن يتعرض له أي شخص في أي دولة، في محاولة للتغطية على مثل هذه القضايا، مختتمًا بأنه يجب على الدولة المصرية عندما تتحرك بهذا الشكل أن تكون لتحركها دلالة ومنطقية، بمعني أن الحق يجب ان يكون واضح.