«إذا كنت ذا منصب، فاستمع إلى شكوى الناس. اتبع قلبك وكن كريمًا ما دمت حيًّا. لا تتحدث إلا عندما يكون لديك شيء يستحق أن تقوله».. هذا ما قاله الحكيم «بتاح حتب»، أول فيلسوف في التاريخ وهو يعظ ابنه بأسلوب أدبي رائع, حيث صاغ التعاليم التي أراد أن ينقلها للأجيال القادمة على هيئة خطاب موجه من أب لابنه وهو يعظه. الحكيم «بتاح حتب» وزير الملك «جد-كا-رع إيسسى» من الأسرة الخامسة حوالي 2400 قبل الميلاد، عُرف بالتعاليم والقيم الإنسانية التي نُقلت عنه في ثلاث برديات، توجد واحدة منها في باريس بمكتبة فرنسا الوطنية، واثنتان في إنجلترا في المتحف البريطاني. وتشكل تلك البرديات أول نصوص فلسفية في العالم تحوى حكمة ورؤية عميقة للأخلاق والضمير. تقع مقبرة كاهن «الماعت» أول من يدون قوانين الضمير بسقارة، وهي مقبرة عائلية له ولزوجته «خامرر نبتي» ولابنه. و«الماعت» عند قدماء المصريين هي قوانين التوازن الكوني التي تضمن استمرار الكون، وتحفظه من السقوط في هاوية الفوضى والظلام. أراد قدماء المصريين أن تكون الأرض صورة للسماء، فتأملوا الكون، واكتشفوا تلك القوانين العليا للتوازن الكوني، وربطوا بينه وبين الأخلاق والضمير, وأيضًا العدل, وكان «بتاح حتب» قاضيًا يرسي قواعد العدل على الأرض. تُعَدُّ تعاليم الحكيم «بتاح حتب» أول نصوص فلسفية تتناول القيم الإنسانية، وتحتوي على قيم العدل والصدق والتواضع والرحمة وضبط النفس وتفادي الصراعات، التي تعكس الطبيعة المسالمة للشعب المصري. عندما شعر الحكيم بتقدمه في السن، طلب من الملك أن يسمح له بأن يعلم ابنه الحكمة والقيم الإنسانية، التي تعلمها من أسلافه، والتي يريد أن ينقلها للأبناء؛ لتضيء لهم الطريق، فسمح له الملك قائلًا: «علمه آداب الحديث كي يكون مثالًا لأبناء العظماء, وتكون الطاعة رائده، فليس هناك من يتعلم من تلقاء نفسه». من أقوال «بتاح حتب» لابنه وهو يعظه «اجتنب الطمع؛ فإنه آفة لا علاج لها. لا تغتر بعلمك. استشر الجاهل والحكيم. الكلمة الطيبة أندر من الحجر الأخضر (الزمرد). لا تردد الوشاية والنميمة ولا تستمع إليها. اضرب للناس المثل الأعلى بأفعالك».