خمسة أعوام مرت على بدء الأزمة السورية، شهدت خلالها الكثير من التطورات في مختلف مراحلها، والتي كانت الحكومة التركية طرفًا دوليًّا أساسيًّا فيها، بدعمها للمعارضة السورية المسلحة ورغبتها في إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد بأي ثمن كان، وهو ما يثير عدة تساؤلات حول أهداف تركيا من تأجيج الأزمة السورية. بعد اشتعال الأزمة السورية ووصول البلاد إلى مرحلة خطيرة من الدمار والهلاك، بدأت تظهر أزمة اللاجئيين السورين الهاربين من الحرب في سوريا، حيث شهدت في الأعوام الماضية عملية نزوح واسعة لأعداد كبيرة من المهاجرين إلى دول أوروبا عبر تركيا، ورأت حكومة أردوغان في هذه الأزمة فرصة كبيرة لتحقيق بعض أهدافها التي أعلنت عنها صراحة في الوقت الراهن. ويرى الكثير من المحللين أن أردوغان يستخدم قضية اللاجئيين بعد تأجيجه للصراع السوري كورقة للضغط على حكومات أوروبا، في وقت يؤكد فيه المحللون أن هذه الفرصة لن تتوفر مرة أخرى، لا سيما بعد توقيع اتفاق مبدئي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا حول أزمة المهاجرين، اشترطت فيه الأخيرة تقديم الاتحاد لها أموالًا إضافية حتى العام 2018، وإعفاء مواطنيها الراغبين بالسفر إلى الاتحاد الأوروبي من تأشيرة الدخول منذ نهاية يونيو المقبل. أردوغان وحلم الاتحاد الأوروبي تسعى تركيا منذ ما يقارب 30 عامًا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وبذلت الكثير من المحاولات لاسترضاء دول الاتحاد، إلا أنها عانت من فتور أوروبي تجاهها، وكان كل انتقال أو تطور إيجابي لهذه المحاولات يحتاج إلى وقت طويل، حيث طلبت الحكومة التركية عضوية الاتحاد عام 1987، فقبلها الأخير كمرشحة عام1999، غير أن مفاوضات العضوية الكاملة لم تبدأ إلا عام 2005 في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية الأولى، دون تحديد سقف زمني لها. أدركت تركيا خلال الفترة الأخيرة أن الأزمة السورية وتداعياتها من تدفق اللاجئيين إلى أوروبا فرصة كبيرة وورقة مهمة للانضمام للاتحاد، حتى ارتفعت لهجة المساومات التركية مع الاتحاد الأوروبي مؤخرًا. وبسبب هذه الأزمة بدأ الاتحاد الأوروبي في التلويح مجددًا بعدم اعتراضة على بدء مفاوضات جديدة جادة لانضمام أنقرة للمنظومة الأوروبية مقابل حل أزمة اللاجئين. وما يؤكد محاولة أنقرة الاستفادة من هذه الفرصة تصريحات رئيس الوزراء التركى أحمد داود أوغلو مؤخرًا، التي أكد فيها أن تركيا تنتظر من الاتحاد الأوروبى اتخاذ الخطوات اللازمة، وعلى رأسها فتح فصول جديدة فى مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد، مضيفًا أن حصول تركيا على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي يأتى على رأس أولويات الحكومة التركية الجديدة، موضحًا أن أنقرة مستعدة لبذل كل الجهد؛ من أجل تحقيق تقدم فى عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى. وفي هذا الإطار وجه "مركز المزماة للدراسات والبحوث" اتهامات لأردوغان وحكومته بأنه يتاجر بمأساة اللاجئين السوريين، لتحقيق تطلعات بلاده للانضمام لمجموعة دول الاتحاد الأوروبي، مستغلًّا حاجة هذه الدول له فيما يتعلق بوقف تدفق موجات اللاجئين السوريين، الذين تتزايد أعدادهم رغم الإجراءات المشددة التي تقوم بها دول العبور. ولفت محللون بالمركز إلى أن دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي كان ولا يزال واحدًا من أهم الأهداف التي ركزت عليها حكومة أردوغان في مفاوضاتها معه حول مشكلة اللاجئين السوريين، في وقت يسعى فيه الاتحاد إلى إعادة اللاجئين الذين لم تتوفر لهم أوراق اعترافات باللجوء والإقامة، وهو أمر مرهون بقبول الحكومة التركية استقبالهم مجددًا. وحسبما أورده المركز في بيان سابق، ما زالت دول أوروبا مترددة في دفع هذه الفاتورة للرئيس التركي؛ نظرًا لسجل حكومته السيئ في حرية الصحافة وحقوق الإنسان. وتتيقن هذه الدول أن سياسة أردوغان تقوم على تحقيق أهداف محددة عبر المؤامرات والضغوط، واستغلال الحاجات والفرص. استغلال أزمة اللاجئين هدف آخر أمام حكومة أردوغان للاستفادة من أزمة اللاجئيين ماديًّا، فعلى الرغم من مواقفه التي يزعم فيها أنه يدافع عن حقوق السوريين، إلا أنه رأى في الأزمة الراهنة فرصة مادية أيضًا، حيث طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دول الاتحاد الأوربي بقرابة 6 مليارات يورو، معللًا حاجته لهذه الأموال؛ حتى يتمكن من وقف تدفق اللاجئين، ما دفع المحللين لوصف هذا المطلب بأنه يأتي ضمن تجارة اللاجئين التي يستغلها أردوغان لتدر على بلاده أموالًا طائلة. واشترط أردوغان دفع هذه الأموال بشكل مسبق، وأعلن أنه لن يتمكن من السيطرة الكاملة على الحدود في الوقت الحالي؛ بسبب حاجة تلك السيطرة إلى مزيد من الأموال، وهو ما يتناقض مع مواقف سابقة، منها بحسب المحللين اختراق دبابات الجيش التركي الحدود العراقية، واستمرار هجوم قواته المسلحة على القوات الكردية في الداخل السوري؛ لمنعها من السيطرة على بعض الأراضي على حساب جماعات موالية لتركيا. قضية شنجن وبالإضافة إلى طلب أنقرة من الاتحاد دفع 6 مليارات يورو، أصرت تركيا أيضًا على إلغاء تأشيرات الدخول لمواطنيها الذين يريدون التوجه إلى فضاء شنجن، وذلك اعتبارًا من يونيو المقبل، الأمر الذي رآه البعض محاولة من أردوغان بتقديم امتيازات زائفة لتحقيق رضا الأتراك عليه هو وحكومته، دون النظر إلى معاناة الشعب السوري، فما كانت هذه المطالب ستتحقق إلا بتمدد الأزمة ووصولها إلى حد الانفجار.