نجح الاتحاد الأوروبي الجمعة الماضي في التوصل إلى اتفاق بينه وبين بريطانيا لبقائها في الاتحاد، مع تعديل بعض البنود التي كانت تطالب بها لندن، وأكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أنه سيعرض الاتفاق في استفتاء على الشعب يتضمن التصويت على عضوية بريطانيا في التكتل، معلنًا أنه سيوصي ببقاء المملكة في الاتحاد خلال الحملة للاستفتاء، قائلًا: تفاوضت على اتفاق يمنح المملكة المتحدة وضعًا خاصًّا في الاتحاد الأوروبي، مؤكدًا أن بريطانيا لن تنضم أبدًا إلى منطقة اليورو. وبينما دعم ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، الاتفاق الذي تم توقيعه بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الجمعة الماضي، مؤكدًا أنه راعى بعض المطالب البريطانية، ينتقد كثير من الساسة البريطانيين فكرة الاتحاد الأوروبي ويرون أنه يمثل عائقًا أمام مستقبل المملكة، واعتبر بعضهم أن الاتفاق الأخير لا يساوي قيمة الورق الذي كتب عليه. وفي معرض دفاعه عن الاتفاق، أكد كاميرون اعتقد أن هذا الاتفاق يكفي حتى أوصى ببقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، فالعالم اليوم مكان غير آمن، وبرأيي أنها لحظة رص الصفوف، ولحظة أن نكون أقوياء. وحول النقاط التي تفاوض حولها مع شركائه الأوروبيين، أوضح كاميرون أن بلاده لن تكون أبدًا جزءًا من دولة أوروبية كبرى وستبقى بعيدة عن اتحاد أكثر تقاربًا، كما عبر عن ارتياحه لانتزاعه قيودًا جديدة على نظام المساعدات الاجتماعية. الرافضون لهذا لاتفاق الذين يؤيدون خروج المملكة من الاتحاد، نظموا تجمعًا برلمانيًّا ضخمًا ضم عددًا كبيرًا من النواب، فيما تدوالت تقارير أخرى أن وزير العدل مايكل غوف يستعد لبدء حملة من أجل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، فيما ذكرت صحيفة «الإندبندنت» أن خمسة وزراء آخرين يستعدون للدعوة إلى تأييد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعد اجتماع للحكومة جرى أمس السبت. وأكد المعارضون في تعليقهم على الاتفاق أنه لم يحقق القدر الكافي من الاطمئنان للاستمرار في الاتحاد الأوربي، ويقول بيل كاش، العضو في البرلمان ومعارض بشدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي: المفاوضات الأخيرة التي أسفرت عن الاتفاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي أدخلتنا في تفاصيل عميقة نحن كنا في غنى عنها، مجددًا رفضه للاتفاق الذي تم مع الاتحاد الأوروبي، موضحًا أنه حان الوقت لتتولى بريطانيا إدارة مصيرها بنفسها. وتاريخيًّا، لم تكن بريطانيا دولة راغبة وداعمة لقيام الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ باتفاقية روما التي تأسست بموجبها الجماعة الاقتصادية الأوروبية في عام 1957، لكنها حاولت الانضمام في عامي 1963 و1967، لكن فرنسا بقيادة شارل ديجول رفضت انضمام بريطانيا، حتى تم الانضمام في وقت متأخر عام 1973، لكن بعد عامين فقط من ذلك، تم طرح فكرة الانضمام على استفتاء عام، انتهى باستمرار بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. على صعيد الأحزاب كان التساؤل المطروح والنقاش الدائر سياسيًّا بين المحافظين والعمال على مر التاريخ والجميع داخل بريطانيا، هو ما إذا كان على لندن أن تكون داخل الاتحاد الأوروبي أم خارجه؟ حتى أصبح المجتمع السياسي وداعموه منقسمين حول هذه القضية بالتحديد. الأسباب التي يبرزها المنتقدون لفكرة الاتحاد الأوروبي في كثير من خطاباتهم، أن ترتكز أهمية الاتحاد على ما يضيفه للبريطانيين من قيمة تتمثل في رفع مستوى معيشتهم ورخائهم، ويرى هؤلاء أن الاتحاد أصبح أكثر تدخلًا وتقييدًا لحياة الأوروبيين مما كان متوقعًا، أو بمعنى آخر أصبح عبئًا كبيرًا عليهم، ما يستوجب إعادة التفاوض حول شروطه. سبب آخر مهم جدًّا بحسب رؤية الداعمين لهذا الخروج، أن الاتحاد النقدي الذي رفضت بريطانيا الدخول فيه، أصبح محور اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي، وأصبحت جميع القرارات تتطلب تفاوضًا من قِبَل أعضائه في البداية، ثم يتم عرضها بعد اتفاق الأعضاء في منطقة اليورو على دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، وهذا أصبح يشكل حساسية كبيرة لدى الدول غير الأعضاء في منطقة اليورو، على رأسها بريطانيا. ورغم هذه الأسباب التي وضعها المؤيدون لفكرة خروج بريطانيا من الاتحاد، تبقى دراسات وأبحاث كثيرة محل نظر الساسة في برطانيا حول تداعيات هذا الخروج، أجريت لمعرفة نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أبرزها معهد أوبن يوروب البحثي الذي أكد أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى خسارة دائمة تبلغ 2.2% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد بحلول 2030 كما أن هذه التكاليف لا يمكن تعويضها فقط من خلال إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع شركائها السابقين. دول كبرى في أوروبا، خاصة فرنسا وألمانيا ترى أن الاتحاد الأوروبي ضرورة حتمية لما بعد الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى أن الولاياتالمتحدة هي الأخرى ترى أن هناك أهمية ومحورية للاتحاد الأوروبي، وفي معرض حديث المعارضين البريطانيين والأوربيين لتداعيات خروج لندن من الاتحاد، يرون أن الثمن السياسي والاقتصادي حال مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي كبير.