الخروج من الاتحاد الأوروبي ورقة ضغط مستهلكة يدرك رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" مدى تأثيرها على دول الاتحاد الأوروبي، التي سرعان ما تستجيب لهذا التهديد وتغرق بريطانيا بالعديد من التنازلات والإصلاحات لإغرائها بالبقاء داخل كيان الاتحاد. تهديدات متكررة فارغة من مضمونها تتردد من وقت لآخر حول طرح بريطانيا استفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي، فكلما أرادت لندن إعادة التفاوض حول تعديل شروط عضويتها لتمرير مصلحة معينة، اتجهت إلى ابتزاز الاتحاد الأوروبي عبر التهديد بالرحيل من الكيان الموحد، وهو ما حدث مجددًا خلال الأيام القليلة الماضية، حيث ذكرت وسائل إعلام بريطانية أن رئيس الوزراء "ديفيد كاميرون" سيوجه أقوى تحذير له هذا الأسبوع من احتمال تأييده لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مالم يوافق الزعماء الأوروبيون على مطالبه لإصلاح الاتحاد. وقالت تقارير بريطانية إن رسالة "كاميرون" تتضمن أربعة مطالب أساسية تتمحور حول إعادة التفاوض حول شروط بريطانيا بشأن عضويتها في الاتحاد الأوروبي، أولها إجبار بروكسل على الإدلاء بتصريح بأن بريطانيا ستبقى بعيدة عن أي تحركات لإنشاء دولة أوروبية عظمى، وسيتطلب هذا إعفاء بريطانيا من المبادئ التأسيسية لاتحاد أكثر ترابطًا، إضافة إلى البيان الصريح بأن "اليورو" ليس العملة الرسمية للاتحاد الأوروبي، وتوضيح أن أوروبا اتحاد متعدد العملات، بجانب نظام "البطاقة الحمراء" لاستعادة القوة من بروكسل إلى بريطانيا، ومنح البرلمانات الوطنية القوة لوقف التوجيهات غير المرغوبة، وإلغاء القوانين غير المرغوبة التي أصدرها الاتحاد الأوروبي، أما النقطة الرابعة والأخيرة في الخطة، فتنص على تأسيس الهيكل الجديد للاتحاد الأوروبي نفسه، لمنع الدول التسع الواقعة خارج منطقة اليورو من أن تهيمن عليها الدول ال19 الأخرى الواقعة ضمن تلك المنطقة، مع حماية خاصة لمدينة لندن. وجود بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبى يوفر عليها كثيرًا فيما يتعلق بنقل بضائعها وتصديرها إلى باقى دول الاتحاد، حيث يرى خبراء الاقتصاد أن ما قد توفره بريطانيا فى حال خروجها من الاتحاد لن يزيد عن ما كانت توفره عندما كانت فى منطقة الاتحاد التجارية. في المقابل، يرى بعض الخبراء أن الخروج البريطاني من عباءة الاتحاد الأوروبي له مزايا عديدة، خاصة في الشأن التجاري، حيث ستحصل بريطانيا على حريتها لعقد صفقات تجارية مع دول من خارج الاتحاد الأوروبى، وتتحرر من قيود الاتحاد التى تركز على الطاقة المتجددة، لتطالب بمياه صيدها الإقليمية، وتخلق سوق بريطانية عملاقة، وتشق طريقها الخاص في العالم الواسع بمفردها، كما ستتمكن من إقامة علاقات تجارية مع مَن تشاء من دول مثل الصين والهند والبرازيل وغيرهم من عمالقة التجارة في العالم، لكنها سوف تخسر فى نفس الوقت تأثيرها العسكري والدولي في حال خروجها من الاتحاد. على جانب آخر، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية ترى أن دور بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي أهم بالنسبة لها من دورها خارجه، ومن هنا فإن خروج بريطانيا من الاتحاد سيجعل أمريكا لن تنظر لها كحليف عسكري أساسي مثلما يحدث الآن، وهو ما سيفقد بريطانيا وضعها الدولي وأهميتها ونفوذها، وهذا الأمر أكد عليه الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" سابقًا عندما طلب من بريطانيا البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي ل"ضمان استمرار تأثيرها على الساحة الدولية". المتحمسون للخروج من الاتحاد الأوروبي يرون أن الشركات الصغرى والوسطى لا تستفيد من الاتحاد الاوروبى، لكن يرد عليهم المعسكر المقابل والمتحمس لفكرة البقاء داخل الاتحاد الأوروبي بأن الشركات الكبرى التابعة للاتحاد الأوروبى توفر الملايين من فرص العمل للبريطانيين، وخروجها سوف يسبب خسائر كبرى للعديد من المجالات داخل بريطانيا، مثل مجال الزراعة. تاريخيًا، لم تكن بريطانيا داعمة لقيام الاتحاد الأوروبي الذي بدأ باتفاقية روما التي تأسست بموجبها الجماعة الاقتصادية الأوروبية في عام 1957، لكنها حاولت الانضمام له في عامي 1963 و1967، وحينها رفض الفرنسيون بقيادة "شارل ديجول" انضمام بريطانيا، وفي وقت متأخر من عام 1973، تحقق لبريطانيا الانضمام لكن بعد عامين فقط من ذلك، تم طرح فكرة الانضمام على استفتاء عام انتهى باستمرار بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. مع انتخاب "كاميرون" وصعود شعبية حزب "الاستقلال" الذي يتزعمه "كاميرون" المعارض للاتحاد الأوروبي، وعد الأخير بإجراء استفتاء شعبي حول استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد قبل حلول عام 2017، وبعد فوز "جان كلود يونكر" رئيسًا للمفوضية الأوروبية، في يوليو عام 2014، اعتبر "ديفيد كاميرون" أن اختيار "يونكر" يمثل خطأ جسيمًا وهو ما يجعل بقاء بريطانيا داخل الإتحاد أمرًا صعبًا، وقال "كاميرون" حينها، "هذا يوم سيء لأوروبا، فالوضع الراهن لا يخدم الاتحاد الأوروبى وبالتأكيد لايخدم بريطانيا، يجب أن يتغير، لن تكون بروكسل هي مَن يقرر مستقبل بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، بل سيكون الشعب البريطاني وما يختاره فقط". يطالب بعض البريطانيين وأبرزهم أعضاء حزب "الاستقلال" بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، للتحكم فى حركة المهاجرين الوافدين إلى المملكة المتحدة من بلدان أوروبا والسيطرة على الحدود الإنجليزية، وهي الحجة التى انتقدها الكثيرون، معتبرين وجود بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبى يضمن استفادتها من أفضل العقول داخل الاتحاد، ويزيد فرص اختيارها بين الأفضل للعمل داخل انجلترا، كما يسمح فى نفس الوقت للبريطانيين العمل بسهولة داخل البلدان الأوروبية الأخرى.