بلغ احتياطي السعودية النقدي 732 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2014. وعلى الرغم من هذا الرقم الضخم، إلا أنه معرض للزوال وفي مدة زمنية قصيرة؛ فوفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن السعودية قد تفقد كل احتياطاتها النقدية في أقل من 5 سنوات، مع الأخذ في الاعتبار أن تقديرات الصندوق الدولي كانت في أكتوبر الماضي مبنية على سعر 50 دولارًا للبرميل. أما اليوم فسعر برميل النفط وصل إلى ما دون 30 دولارًا، وبالتالي فإن المملكة السعودية معرضة لفقد احتياطياتها النقدية في أقل من ثلاث سنوات حال استمرار أسعار النفط على حالها، لا سيما وأن الاحتياطي النقدي للمملكة وصل إلى أقل من 612 مليار دولار نهاية عام 2015، وهو أدنى مستوى له منذ خمس سنوات، وبذلك تكون السعودية قد فقدت أكثر من 120 مليار دولار في أقل من سنة. هبوط أسعار النفط استتبعه عجز في الميزانية السعودية، حيث تحصل خزينة المملكة على 73% من المال اللازم للموازنة من عائدات النفط؛ ما دفع السعودية للاعتماد على الاحتياطات النقدية لتمويل هذا العجز. خيارات المملكة الاقتصادية قليلة؛ لأنها تعتمد بشكل أساسي على النفط؛ ما دفعها لخيار الاستدانة؛ حتى لا يكون الاحتياطي النقدي الذي دخل مرحلة الاستنزاف هو مصدرها الوحيد لتمويل عجز الموازنة. صحيفة "الفاينانشال تايمز" قالت إن المملكة السعودية تستعد لتغطية العجز في الموازنة الذي يبلغ 87 مليار دولار لعام 2016، تستعد لأول مرة لأخذ دين في السوق الدولية؛ بسبب انخفاض أسعار النفط. ومن المتوقع أن تزيد حاجة المملكة للاقتراض في ظل توقعات اقتصادية بهبوط احتياطها النقدي إلى 500 مليار دولار نهاية العام الجاري، فضلًا عن استمرار هبوط أسعار النفط الذي فقد أكثر من ثلاثة أرباع قيمته منذ يوليو 2014. السياسة الاقتصادية التي تتبعها السعودية تشير إلى الحالة الصعبة التي يمر بها الاقتصاد السعودي، حيث اتخذت المملكة إجراء تخفيض حاد في الإنفاق العام، ما يسمى بالسياسة التقشفية، ورفعت أسعار بعض السلع كالنفط، كما فرضت الضرائب، وألغت مشاريع للبنى التحتية، ومؤخرًا أعربت عن توجهها لأول مرة في التاريخ للاستدانة، حيث تشير المعلومات الاقتصادية إلى أن مقدار دين الرياض في المرحلة الأولى قد يصل إلى 5 مليارات دولار؛ ما دفع البنوك الدولية لأن تتهافت؛ من أجل أن تصبح شركات تأمين للصفقة. ويرى اقتصاديون أن العجز الذي تتحدث عنه الصحيفة البريطانية والمقدر ب 87 مليار في موازنة 2016 ليس حقيقيًّا، فمن المتوقع أن يصل العجز الفعلي فيها إلى أكثر من 107 مليارات دولار، خاصة وأن السعودية لم تحسم بعدُ الملفات السياسية والاقتصادية التي أقحمت نفسها فيها، سواء في ميدان النفط، أو التدخل في شؤون دول عربية عسكريًّا، مثل سوريا واليمن وليبيا، إضافة إلى أنها في الآونة الأخيرة دعت إلى تحالفات عسكرية تحت قيادتها ستكبدها الكثير من الأموال في حال تشكيلها، كما أنها هددت بالحرب في سوريا حال بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في سدة الحكم، وهذا يعني مزيدًا من الاستنزاف للطاقات السعودية المادية منها والعسكرية من قِبَل الطبقة الحاكمة. تأكيدات الصحيفة البريطانية عززتها دراسات اقتصادية سابقة مطلع 2015 الماضي، أشارت إلى أنه من المتوقع أن تعود الحكومة السعودية إلى سوق الدين للمرة الأولى منذ 16 عامًا، رغم احتياطاتها الهائلة، عن طريق إصدار الحكومة لسندات دين في إطار الجهود الرامية لتمويل عجز الموازنة. ومن المتوقع أن تفرض الحالة الاقتصادية المتردية في المملكة تبدلًا واضحًا في سياستها النفطية التي انتهجتها مؤخرًا للإضرار بالاقتصاد الروسي والإيراني، حيث ترددت تصريحات في الأوساط الإعلامية لنائب وزير النفط عبد العزيز بن سلمان يقول فيها إن الرياض مستعدة للتعاون في إدارة سوق النفط، شريطة أن يتعاون جميع المنتجين داخل المنظمة وخارجها. هذا التبدل في حال حدوثه سيكون أحد الحلول المنطقية التي تستطيع المملكة القيام بها للتخلص على الأقل من الورطة الاقتصادية التي أوقعت نفسها فيها. ويرى مراقبون اقتصاديون أن سياسة الاستدانة قد تحل مشكلة استنزاف المملكة لرصيدها من الاحتياطي النقدي، ولكنها في نفس الوقت ستفاقم المشكلة؛ فلكل قرض فوائد تترتب عليه، فبعض الدول المستدينة حتى الآن لم تستطع سداد قروضها؛ لأنها تسدد فوائد هذه القروض.